عديدة هي الأفلام الأمريكية التي تطرقت لموضوع العبودية وما رافقها من استغلال فظيع لأبناء العرقية السوداء في الولايات المتحدة طيلة قرون من نشأة هذه الأمة الحديثة.
كما عديدة هي الأفلام التي تناولت حقبة الميز العنصري في بلاد العم سام، والتي يبدو أن مبررات الاشتغال عليها ما تزال حاضرة ليومنا الحالي لأن الولايات المتحدة لا يبدو أنها تصالحت مع ماضيها العنصري مع استمرار مظاهر التمييز والتهميش في حق السود، وهو ما تعكسه أوضاعهم المعيشية التي تجعلهم عرضة للبطالة والجريمة والاعتقال في السجن بصورة أكبر من غيرهم من الإثنيات.
فضلا عن ذلك، تعكس المظاهرات التي جابت البلاد العام الماضي للمطالبة بمعاقبة أفراد الشرطة الذين يقدمون على تصفية مواطنين سود عزل للاشتباه في كونهم يحملون السلاح، ومن بينهم قاصرين، تعكس حجم الميز الذي ما يزال سائدا في حق السود الأمريكيين.
ولتكتمل الصورة قتامة، دفع خلو لائحة المرشحين لجائزة “أوسكار” 2016 من أي اسم لممثل أو ممثلة سوداء الكثيرين إلى التساؤل حول ما إذا كانت السينما، التي من المفروض أن تحارب الصور النمطية وتحرك المياه الراكدة في المجتمع وتدفع باتجاه مزيد من التسامح والتعايش وتقبل الآخر، بدأت تكرس لهيمنة العرقية البيضاء. هيمنة تصبح فظة أكثر عندما يتم اختيار ممثلين بيض لأداء أدوار شخصيات من عرقيات أخرى.
إقرأ أيضا: في ذكرى وفاته..مناسبة لتذكر كيف أثر شكسبير في اللغة الإنجليزية
في هذا الإطار، تبدو الحاجة لفيلم “ولادة أمة” (The Birth of a Nation)، والذي إن كان صرخة في وجه العبودية التي من المفروض أنها زالت شكليا في القرن 19 بالولايات المتحدة، إلى أن مظاهرها المقنعة من تمييز وإقصاء وتهميش وازدراء لثقافة وعرق معين بسبب لون بشرته ما تزال سائدة في عالمنا المعاصر.
ويحكي الفيلم قصة الثائر الأمريكي الأسود نات تورنر، والذي قاد تمردا للسود العبيد والأحرار في ولاية فرجينيا في غشت عام 1831، والتي انتهت بمقتل أزيد من 200 أسود على يد عصابات من البيض.
الفيلم لاقى نجاحا كبيرا في مهرجان “صانداس” السينمائي في ولاية يوتا الأمريكية، حيث نال جائزة الجمهور والجائزة الكبرى للمهرجان، ويبدو أنه سيجد طريقه نحو الترشح إلى جائزة “أوسكار” 2017 بحسب ما توقعته منابر إعلامية مهتمة بالفن السابع.
مخرج الفيلم، نايت باركر، والذي يؤدي الدور الرئيس من خلال تقمصه شخصية نات تورنر، ليس غريبا عن الأفلام التي تتخذ من وضعية الزنوج في الولايات المتحدة إبان فترة الميز العنصري، من خلال مشاركته في أفلام مثل “The Great Debaters” و “The Secret Life of Bees” و ‘’Red Tails ».
بالنسبة لنايت باركر فإن “ولادة أمة”، الذي سيخرج لدور العرض بالسينما في شهر أكتوبر المقبل، يعد الفيلم محاولة للمساهمة في جعل الولايات المتحدة بدلا أفضلا للأجيال القادمة.
“إذا استطاع هذا الفيلم دفع الناس للانخراط في فعل الخير والسعي لتحقيق العدالة، وإذا ما استطاع إحداث أثر سياسي، سيكون الأمر عظيما. هذا ما أريده”، يقول نايت باركز.
طريق العدالة طويل مما لا شك فيه، وما أظهرته أحداث مناطق متفرقة بالولايات المتحدة، هو أن النضال من أجل حصول الزنوج على فرص أفضل داخل بلدهم مازال مستمرا. وبالتالي فإن فيلما من طينة “ولادة أمة”، هو تذكير بأن نضال الأسلاف كان أصعب وأن تضحياتهم كانت أكبر. وفي ذلك، قد يكون هناك شيء من العزاء.