بعد أربع سنوات من القتل المستعر في سوريا، يصعب إيجاد مصطلح في لغتنا العربية يمكنه أن يصف بدقة نوع الشعور الذي ينتاب المرء عندما يطالع تصريحا لديكتاتور سوريا بشار الأسد يقول فيه: لن أتنحى عن الحكم إلا بطلب من الشعب السوري !! الغضب، الاشمئزاز، الحزن…؟ في الحقيقة هو شعور يتجاوز كل ذلك بكثير.
للمزيد: بشار الأسد: لن أتنحى عن الحكم إلا بطلب من الشعب السوري
لقد خرج السوريون في مارس 2011 رافعين شعار “الإصلاح”. لم يكونوا طامعين بما هو أكثر. خرجوا كبارا وصغارا، شبابا وفتيات، شيوخا وعجائز وأطفال، يعبرون عن مطالبهم بالأهازيج والأغاني وأجواء الاحتفال، بالقدرة أخيرا على قول: لا. تغلبوا على خوفهم من جبروت أجهزة مخابراتهم التي لا يعرف أحد عددها أو صلاحياتها على وجه الدقة، تغلبوا على ارتياب كل واحد منهم بأخيه، خوف الوشاية به لدى أجهزة النظام الدموية، تغلبوا على ذكريات مفزعة تغوص عميقا في ذاكرتهم الجمعية لدرجة يصعب نسيانها، لدرجة تجعلهم يتوارثونها جيلا بعد آخر. وشيئا فشيئا، تغلبوا على خوفهم من الرصاص الذي تطلقه زبانية النظام ووحوشه إلى صدورهم، لا لذنب اقترفوه سوى لرفعهم الصوت عاليا في حضرة الدكتاتور، مطالبين بحقهم في أن يُعاملوا كبشر.
لقد استعر القتل في السوريين في مختلف المدن والقرى على مدى أكثر من ستة أشهر دون أن يطلق أحد رصاصة باتجاه رجال الأمن و”الشبيحة”، إلى أن صدرت أوامر الإبادة بحق جميع المتظاهرين، وبحق من يمتنع عن تنفيذ أوامر القتل، فبدأت طلائع الهاربين بالتزايد، رفضا للمشاركة في المجزرة، وخوفا على حياتهم إن هم تمردوا على الأوامر. وفي أجواء فوضى كهذه، كان طبيعيا لنظام بوليسي يترأسه زعيم عصابة أن ينكشف وتتعرى هشاشة نظامه، ووهم سيطرته على الحدود التي لم تكن تدار سوى بالرشوة، وبدأت سوريا تتحول إلى ساحة مستباحة لمختلف العصابات التي ترفع مختلف الرايات، وبدأ القتل يصبح طقسا يوميا، لا يتوقف أمامه أحد للسؤال عن هوية القاتل. أما القتيل، فهو إنسان هذه الأرض الطاهرة على امتداد جغرافيتها.
للمزيد: أبرز الفصائل العسكرية المسلحة في سوريا: من يحارب من؟
لقد فاق عدد من حصدتهم آلة الموت اليومي أزيد من ثلاثمائة ألف سوري، وفاق عدد المهجرين داخل وخارج سوريا رقم ال 14 مليونا، فروا بحثا عن ملجأ من براميل النظام المتفجرة، وميليشيات إيران وحزب الله الذين اختلت بوصلتهم، تساعدهم ميليشيات متفرقة من دول أسيا الوسطى ذات المذهب الشيعي، بعد أن حولوه لصراع طائفي بغيض. وبعد كل هذا القتل والفوضى، يأتي الدكتاتور المجرم ليتبجح بالقول: لن أتنحى عن الحكم إلا بطلب من الشعب السوري !!!
إذا كان كل من دفعوا أرواحهم، وهجروا من بيوتهم، وبحت أصواتهم، والذين ما زالوا صامدين في بيوتهم تحت القصف والقتل اليومي، لم يوصلوا رسالتهم إليك بالتنحي، فكيف يمكنهم فعل ذلك؟ أهو نوع خاص من الصمم والعمى والجنون هو الذي يجعلك لا ترى أو تسمع أصوات ضحاياك؟ أم أنك لا تؤمن، كأبيك، سوى بالاستفتاءات على بقائك، مرشحا وحيدا في انتخابات لا يصوت فيها أحد؟ أم هو إيمان خاص شبيه بإيمان الصهاينة بأن “السوري الجيد هو السوري الميت”؟؟؟
لقد أغرت فرجة العالم جميعه على جرائم الأسد، ووقوف غالبيتنا العاجزة مكتوفة الأيدي دون فعل أي شيء دفاعا عن ضحاياه، الدكتاتور بالإيغال في تحالفاته الإجرامية، وتصعيد آلة القتل المجرمة بحق أبناء سوريا (ولا نقول أبناء شعبه لأنهم منه براء)، وما تصريحه المقيت إلا إهانة نستحقها جميعا للوقوف عاجزين في وجه طاغية، كما كنا أمام باقي طغاتنا. إن هذا النظام وطاغيته وحلفائه من عرب وعجم، والمتواطئين معه بالصمت، كلهم شركاء في الدم السوري الزكي، وسيقف الجميع يوما بين يدي جبار عادل ليُسأل عما فعل لرد الظلم عن ضحايا، يتبجح جلادهم بأنه لا يجد من يطلب منه التنحي من مواطني البلد المبتلى بحكمه، وكأن الجميع قابل بقضائه وقدره.
إقرأ أيضا: وأنت تحتفل.. فكّر بمن حرموا الفرح!!
إن سفاحا وصلت به الجرأة على الله أولا، وعلى ضحاياه ثانيا، إلى هذا الحد الفظيع، لحري به أن يبدأ بحزم حقائبه لمغادرة هذه الدنيا وليس كرسي الحكم الذي يرفض التنحي عنه فقط، لأن لعنات ضحاياه وصرخاتهم تلاحقه، وهتافهم المزلزل الذي استهان به لا محالة سيهزمه، لأنهم طلبوا العون من المنتقم الجبار دون سواه، وهو لم يترك يوما عباده دون سند. فليكرر كل المستضعفين مع أبناء سوريا نداءهم الحارق: يا الله، ما النا غيرك يا الله.. ، استجلابا لسرعة الانتقام الإلهي، وما ذلك على الله بعزيز.