ما من شك، في أن لعيدي الفطر والأضحى فرحة عند مختلف المسلمين، وإن اختلفت أسبابها. فرحة يعبر عنها الناس بلبس الجديد وزيارة الأهل وتناول وجبات خاص لاسيما الحلويات. ونحن هنا لا نريد في غمرة هذه الأيام المباركة أن ننغص على قرائنا، لكنه واجب التذكير بوجود ملايين لا تملك حق الفرح في هذا اليوم العظيم.. لا تملك سقفا يؤويها، وملابس تسترها، وزادا تسد به رمقها قبل التفكير في حلويات العيد، ناهيك عن حرمانها من باقي مظاهر وأسباب الفرح الأخرى.
ما نريد قوله: ونحن نحتفل، لنجعل شعارنا هذا اليوم، الصرخة التي أطلقها شاعرنا الكبير محمود درويش: “فكّر بغيرك”. وقبل الاسترسال أكثر، لا بأس من التذكير بهذه القصيدة القصيرة الإنسانية الخالدة:
وأنتَ تُعِدُّ فطورك، فكِّر بغيركَ
لا تَنْسَ قوتَ الحمام
وأنتَ تخوضُ حروبكَ، فكِّر بغيركَ
لا تنس مَنْ يطلبون السلام
وأنتَ تسدد فاتورةَ الماء، فكِّر بغيركَ
مَنْ يرضَعُون الغمامٍ
وأنتَ تعودُ إلى البيت، بيتكَ، فكِّر بغيركَ
لا تنس شعب الخيامْ
وأنت تنام وتُحصي الكواكبَ، فكِّر بغيركَ
ثمّةَ مَنْ لم يجد حيّزاً للمنام
وأنت تحرّر نفسك بالاستعارات، فكِّر بغيركَ
مَنْ فقدوا حقَّهم في الكلام
وأنت تفكر بالآخرين البعيدين، فكِّر بنفسك
قُلْ: ليتني شمعةُ في الظلام
شاهد المزيد: فكر بغيرك..
ونحن مهما اجتهدنا، فلن نستطيع تغطية مختلف أوجه المأساة الإنسانية التي يعيشها أبناء دول عربية وإسلامية بل و”عالم-ثالثية” كثيرة، من جراء الحروب والنزاعات المسلحة، والفساد والاستبداد، والاحتلال والتهجير. لكننا سنكتفي فقط بإيراد الأرقام المتعلقة بالمهجّرين داخل وخارج أوطانهم، حسب الإحصائيات والتقديرات الدولية المحتشمة، والذين يعتبر محظوظا منهم من يجد خيمة تؤويه وجهة تساعده في تأمين قوت أبنائه. وسنكتفي هنا بالأمثلة الأبرز كما قلنا لأن المأساة من الضخامة بحيث تستعصي على الحصر:
سوريا: هناك أزيد من 4 ملايين لاجئ سوري هرب خارج سوريا، مقابل 7.6 مليون سوري مهجرين من مناطقهم داخل سوريا.
شاهد أيضا: معاناة اللاجئين السوريين
العراق: المهجّرون داخل وطنهم يزيد عددهم عن 3.6 مليونا، بينما المهاجرون خارج العراق فلا يعلم أحد بدقة عددهم وإن كان هناك إجماع على تجاوزهم المليون بكثير.
الصومال: هناك 1.1 مليون لاجئ خارجها، ومثل هذا العدد من المهجّرين خارج مناطقهم داخل الصومال.
اليمن: انضمت حديثا لأرقام الأمم المتحدة مسجلة نزوح أزيد من 340 ألفا، في انتظار معرفة آثار الحرب القائمة حاليا.
أفغانستان: تسجل هروب 2.6 مليون أفغاني خارجها، مقابل نزوح قرابة المليون داخل وطنهم.
هذا دون نسيان الملايين السبعة من الفلسطينيين المحرومين من العيش في وطنهم، وضحايا النزاعات المسلحة في باقي مناطق العالم التي تخلف عشرات ملايين اللاجئين والنازحين سنويا، ناهيك عن ملايين البشر الذين يعيشون في العشوائيات ودور الصفيح ظروفا لا إنسانية صعبة.
شاهد أيضا: النزاعات الطائفية وإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط
نقول ذلك، لنشكر من جهة الله على نعمة الأمن والاستقرار والقدرة على توفير أسباب العيش الكريم، ولندعوه عز وجل أن يخفف عن إخواننا في العروبة والإسلام والإنسانية ما حل بهم من مصائب، ولنكرس فضيلة الإحساس بالآخر، والاستمتاع بكوننا أناسا لا تنسينا قدرتنا على الفرح والاحتفال، تعاطفنا مع من حرموا من هذه النعم وغيرها.. وكل عام وأنتم جميعا بألف خير.