بنكيران يطفئ شمعته الستين ثم ماذا بعد؟

يوم الثلاثاء الماضي أطفأ رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، شمعته الستين، ووضع الرجل الأولى في العقد السابع.
ورغم أنه لا يحتفل بعيد ميلاده، شأنه شأن باقي الإسلاميين، فإن وسائل الإعلام سلطت الضوء على هذه المناسبة لأن رئيس حكومتنا صار، منذ أكثر من سنتين، شخصية عمومية ومحط اهتمام الرأي العام…
 ماذا يعني الرقم 60 في حياة رئيس حكومة؟ هذا معناه أن الرجل الثاني في الدولة لم يعد كهلا، وأنه ماض نحو خريف العمر، وأن ما مر من عمره أكثر مما بقي (أطال الله في عمر الجميع). هذا معناه أيضاً أن مستقبل رئيس الحكومة صار جزء كبير منه وراءه لا أمامه، وأن المطلوب منه الآن وهو في السلطة أن يحمي الصورة والرصيد والسمعة التي صنعها لنفسه منذ 58 سنة مضت وهو خارج السلطة.
سئل المفكر المغربي عبد الله العروي سنة 1998 عن رأيه في الطريقة التي دخل بها السيد عبد الرحمان اليوسفي، زعيم الاتحاديين، إلى حكومة التناوب التوافقي في عهد الملك الراحل، فأجاب بقول بليغ: «ليست مهمة الطريقة التي دخل بها اليوسفي إلى الحكومة، المهم هو الطريقة التي سيخرج بها من هذه التجربة»…
وبالفعل، خرج عبد الرحمان اليوسفي من تجربة التناوب الفاشلة مكسورا ومجروحا لأنه اعتقد أن المنهجية الديمقراطية صارت مكسبا في بلاده، خاصة مع مجيء ملك شاب. لقد اعتبر شيخ الاشتراكيين أن حصول حزبه على المرتبة الأولى في انتخابات 2003 يعطيه الحق في ولاية ثانية في الحكومة لإكمال ما بدأه من عمل في أجواء أفضل، لكن شيئا من هذا لم يقع. نزل خبر تعيين التقنوقراطي إدريس جطو في منصب الوزير الأول كالماء البارد على رأس اليوسفي، فما كان منه إلا أن توجه إلى بروكسل وألقى محاضرة هي عبارة عن نعي لتجربة التناوب التوافقي، حيث قال: «إننا دخلنا إلى الحكومة بينما السلطة ظلت في مكان آخر»… فهم الجميع الرسالة، ثم لكي تصل إلى العنوان المقصود وضع عليها «تنبر»: استقال من الحزب ومن السياسة ورجع إلى بيته، وأضرب عن الكلام في الشأن العام…
خروج إدريس جطو من رئاسة الحكومة سنة 2007 لم يكن أفضل من خروج اليوسفي، فرغم أن الرجل بذل مجهودات كبيرة لحل الملفات العالقة، وتنازل عن صلاحيات سياسية كثيرة لمراكز القوى، وتفرغ لبناء الطرق واستقطاب الاستثمارات وتخفيف كتلة الأجور، فإنه خرج من بيت الحكومة مغضوبا عليه، وما إن استقر في منزله حتى تبعه بلاغ للوكيل العام للملك بالدار البيضاء يعلن فتح تحقيق قضائي في ما سمي «تحويل مسار الطريق السيار في الدار البيضاء لكي لا يمر في أرض لإدريس جطو وشركائه». نزل الخبر كالصاعقة على الرجل وهو في سن 65 سنة، وأحس بأن كرامته مست، وبذل مجهودات كبيرة في كواليس البلاط لإغلاق هذا الملف الذي لم يرجع إليه القضاء «المستقل» إلى الآن…
عباس الفاسي حكاية أخرى.. الرجل خرج قبل نهاية موعد ولايته الحكومية، داهمه الربيع العربي، ولم يترك له خيارا، ورغم أنه قال منذ اليوم الأول لتعيينه في الوزارة الأولى: «برنامجي هو خطب جلالة الملك»، فإن ذلك لم يشفع له، حيث ظل واجهة لحكومة بلا سلطة ولا قدرة على اتخاذ القرارات الصعبة. يكفي أن في عهده تأسس حزب الأصالة والمعاصرة، وفي عهده حصل هذا الوافد الجديد على الرتبة الأولى في الانتخابات الجماعية لسنة 2009، حيث جرى تجنيد وزارة الداخلية للوقوف في صف الجرار، فيما بقي عباس الفاسي يتفرج على «فديك» جديد يتأسس أمام عينيه وهو في قيادة الحكومة…
على رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، أن يتأمل مسار هؤلاء الثلاثة، والطريقة التي خرجوا بها من رئاسة الحكومة، وأن يختار لنفسه طريقة يراها تلائم شخصيته ومساره وحزبه والظروف التي وصل فيها إلى السلطة. لقد توفرت له أوراق رابحة لم تكن في يد من سبقوه( ربيع ديمقراطي أضعف السلطويات العربية، دستور جديد ومتقدم على الدساتير السابقة أعطى الحكومة سلطا كبيرة، كتيبة برلمانية من 107 نواب، تتقدم على الحزب الثاني بعدد كبير من المقاعد)…
إذا وجد بنكيران معادلة لتحقيق هدفين، الأول كبير والثاني صغير، سيذهب إلى تقاعده بعد ولاية أو اثنتين وهو مرتاح الضمير، الأول هو إنجاح التجربة الثانية للانتقال الديمقراطي (الأولى فشلت مع اليوسفي)، وشراء تذكرة دخول المملكة إلى نادي الدول الديمقراطية، بما يستتبع ذلك من إصلاحات عميقة في بنية الدولة وطرق اشتغالها. الهدف الثاني هو تطبيع علاقة الإسلاميين بالقصر، وإزالة سوء الفهم والمخاوف الموجودة لدى الطرفين. إذا حقق بنكيران هذين الهدفين فإنه سيدخل إلى التاريخ عندما يخرج من الحكومة، أما إذا فشل فسيكون قد ضيع على المغرب فرصة كبيرة قد لا تتكرر.
“اخبار اليوم” المغربية

اقرأ أيضا

مجلس المنافسة يفتح تحقيقا في رفع أسعار مشروبات المقاهي

أفاد مجلس المنافسة أن الأبحاث الأولية التي أنجزتها المصالح المختصة لمجلس المنافسة، بينت وجود عناصر …

ترفع لليونسكو.. حزمة توصيات لإفشال محاولات الجزائر الاستيلاء على التراث المغربي

توجت المناظرة المنعقدة اليوم الثلاثاء بالدار البيضاء، حول "تجليات التراث اللامادي المغربي في حرف الصناعة التقليدية: الزليج والقفطان نمودجا"، بمجموعة توصيات سيتم رفعها إلى السلطات الحكومية وكذا منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، من أجل التصدي لمحاولات الجزائر الاستيلاء على الموروث المغربي الأصيل.

تركية تترك طفلها ينزف لتواصل بثاً عبر “تيك توك”

أثارت امرأة تركية غضب رواد منصات التواصل الاجتماعي، بعدما أهملت تعرض طفلها لإصابة بالغة في …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *