الكاريكاتيرست الفنان العربي الصبان

أهمية غلاف الكتاب وضرورة العناية به جماليا*

الى عهد قريب جدا ، وخلال الفترة الذهبية للثقافة المغربية ، عندما كانت هذه الثقافة ، بتعدد اجناسها الابداعية، على صلة بارزة بأوساط المجتمع ، وكانت منفتحة على مختلف معارف الفكر الإنساني في بعده الكوني ، تثاقفا وتمثلا وترجمة وتفاعلا، الى جانب خصوصيتها الإبداعية التي بوأتها مكانة متقدمة، تصدرت المشهد الثقافي العام مشرقا ومغاربيا، بتوجه فكري نقدي حداثي ومتنور.

قبل استقالة المثقف المغربي من وظيفته في البناء الثقافي المتحضر ، وعزوفه الكلي عن التفاعل مع محيطه المجتمعي ، وقبل نكوص الثقافة المغربية عموما نحو مجاهل الفكر الماضوي ، قبل كل ما آلت اليه الثقافة المغربية الحديثة من انعزال وكآبة وانغلاق، كان للكتاب المغربي صدى يتجاوز دور النشر والطبع ورفوف المكتبات وأكشاك المطبوعات، الى أيدي القراء وفضاءات الجدل الفكري وملتقيات التواصل المعرفي، وكذا صفحات الملاحق الثقافية لجل الصحف الوطنية، كنت وقتها الحظ، كلما تصفحت كتابا مغربيا، أن جل أغلفة الكتب المغربية تفتقر الى الشكل الجمالي المطلوب، مما يعني أن هناك غيابا للفهم الواعي بأهمية العنصر الجمالي، وضرورة توفره في العمل الإبداعي لدى المساهمين في صناعة الكتب، ومدى استخفافهم بأهمية الثقافة البصرية التي تعد، بالضرورة، مكونا أساسيا من مكونات الإلمام المعرفي العام للمثقف، وهو ما ينعكس سلبا على القيمة الشاملة للكتاب، فعمدت في عقد الثمانينيات الماضي الى كتابة عمود في الموضوع نشر بالصفحة الثقافية لجريدة ” العلم” تحت عنوان :” أزمة الغلاف في الكتاب المغربي “، أشرت فيه إلى أهمية الغلاف وضرورة العناية به جماليا ، باعتباره يمثل قيمة مضافة للكتاب .

ولي الله 3

  يمكن القول، إن عنوان الكتاب ولوحة غلافه، يعنيان في الأصل عنوانا واحدا للنص المكتوب، فكما يمكن تذكر القارئ لعنوان كتاب قرأه وفي ذهنه صورة غلافه، كذلك يمكن لصورة الغلاف تذكير القارئ بعنوان الكتاب ، حيث يمكن للوحة الغلاف المتميز أن تمثل عنصر اجتذاب للقارئ لكتاب بعينه دون غيره من معروضات الكتب، لهذا فالغلاف الرديء يسيء للكتاب الجيد ، مما يعني أن مضمون الكتاب وغلافه يتوحدان في تفوق الكتاب .

  فهل هناك من اهتمام بغلاف الكتاب في سجل التاريخ الثقافي ؟

 شرع في التأريخ لبداية الاهتمام بغلاف الكتاب بمجموعة كتب قديمة محفوظة بالمكتبة البريطانية يعود تاريخها الى سنة 1919 .

الكتب الأجنبية

ويعد غلاف كتاب “تقدمة الصداقة ” المحفوظ حاليا بمكتبة ” بودليان ” في اكسفورد ببريطانيا، أقدم غلاف كتاب احتفظ به حتى اليوم ، وهو غلاف منسوج من خيوط الحرير الأبيض، وخط عليه العنوان باللون الأسود، كما طرزت حواشيه الأربع، اذ جرت العادة قديما في الحفاظ على الكتاب منذ القرن الثامن عشر، حينما كانت نسخة الكتاب تعد كنزا ثمينا ونادرا لايتيسر الحصول عليها سوى لخاصة الخاصة من علية القوم ، بان تتم حياكة الكتاب بغلاف قوي متين، يصنع من الجلد أو الورق المقوى لتحصينه والحفاظ عليه من التفكك والتلف حين تداوله وقراءته.

  ترمي العناية بغلاف الكتاب وإضفاء معالم الزينة والجمال عليه منذ الماضي ، الى استجابة القارئ لما يصطلح عليه في علم الجمال بمفهوم ” تنميق المعرفة العلمية “، وهو المفهوم الذي ينسحب على كافة أوجه الحضارة الغربية ، والذي نراه واقعا جماليا ماثلا في شتى معالم ورموز هذه الحضارة .

من ذلك مثلا ان شخصية الاب نويل { بابا نويل او سانتاكلوز} هي من ابتداع رسام الكاريكاتير{ طوماس نيست }، وان الزي الديني الرسمي لبابا الفاتيكان هو من تصميم المثال { مايكل انجلو}، وان تمثال الحرية المنتصب على المدخل الساحلي لمدينة نيويورك نحته الفنان{ فريدريك او جست بارتولدي }، وقس على ذلك كل الملامح الجمالية التي تطبع وجه الحضارة الغربية قديما وحديثا، والتي ابتدعها اساطين الفن من امثال انجلو ودافنشي وبيكاسو ودالي وغيرهم .

  يحظى غلاف الكتاب لدى القائمين على صناعة الكتاب في الغرب بأهمية ثقافة رفيعة ، بوأته مكانة فعالة في الترويج للكتاب والإقبال عليه، لذلك فهم يضعون معايير صارمة لشروط الكتاب الناجح قبل تسويقه، من ضمنها الصورة الفنية للغلاف .

كتب

هناك أيضا في الخارج تقام معارض فنية للغلاف، يساهم فها مختلف الفاعلين في المجال الثقافي، وتشرف على  تنظيمها جهات معنية حكومية وأخرى من مختلف المؤسسات والهيئات الثقافية غير الرسمية، مثل اتحادات الكتاب ودور النشر والتوزيع وغيرها لاختيار أفضل غلاف لكتاب ، وذلك قصد إنعاش الأجواء الثقافية وتشجيع الاهتمام بالقراءة والإسهام بالتالي في القوة الشرائية.

لقد سبق للمثقفين المصريين محاولة التأسيس لتقليد الاهتمام الثقافي بالغلاف وذلك بإقامة معرض فني لغلاف الكتاب تحت رعاية المجلس الأعلى للثقافة، لكنه كان المعرض الفني الذي أقيم لمرة واحدة دون غيرها .

  يمكن لغلاف الكتاب بالنسبة لمضامين الكتب المختلفة ، استلهام مبنى هذه المضامين ومعانيها دون الترجمة الحرفية لفحواها . فقد تكون صورة لوحة الغلاف تشخيصية او تجريدية ، وقد تكون فوتوغرافية ، أو لوحة حروفية أو تركيبة “كولاج”، كما قد يكون الغلاف لكتاب أدبي أوعلمي او فلسفي او فني او سياسي، غير ان المهم هو قدرة الفنان المصمم للغلاف على عكس روح النص وجوهره الإبداعي ، في حلة جمالية تأخذ باللب وتسحر الوجدان. .

أغلفة

عموما تجدر الإشارة الى أن ضعف الاهتمام بالفن وبالثقافة الجمالية في غالبية المجتمعات الإسلامية ، رغم وجود الفن والفنانين بين أوساطها مرده الى نظرة سائدة في الثقافة الدينية التقليدانية المحافظة، تتحرج من الإبداع وتتحفظ من الفن عموما، استناد ا إلى فهم منغلق للدين، يتخذ من هذه الثقافة معيارا للتعاطي مع قيم الجمال وصورها الإبداعية الراقية التي اختزلها فلاسفة علم الجمال في ما مؤداه أن الحياة المتحضرة هي وحدها القادرة على إبداع فن جميل .

ــ

*النص الكامل لمداخلة الفنان الكاريكاتيرست العربي الصبان، خلال تقديم رواية” ولي الله” لكاتبها رشيد مشقاقة، مساء أمس بالمكتبة الوطنية بالرباط، باعتباره واضع غلافها.

 

اقرأ أيضا

معرض بالرباط عن جغرافيي ورحالة الغرب الإسلامي

تنظم المكتبة الوطنية للمملكة المغربية بالعاصمة الرباط، إلى غاية 15 فبراير المقبل، معرض “جغرافيو ورحالة …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *