تساءلت كلما جمعتني مع المبدعين قراءة أو أمسية ثقافية أو دراسة في متن معين، هل يفترض في الحضور و في النقاش و في الاقتراب من النص تحليلا ورأيا أن يكون المرء أكاديميا؟
ما دور كل رواية أو قصة أو ديوان إن لم يحركوا وجدان و ذائقة وشغف القارئ العادي العالم معا ؟
أسئلة تثير فيّ رغبة الوقوف هنا و بين يدي رواية لها من العنوان ما يغري لأتطفل على شخوصات و أحداث و زمان و مكان و و و و … لأتوقف قليلا وأقول لست بدارسة للرواية لكنني قارئة غارقة في عشق الرواية و القصة و الشعر و ما يكتب و ما يتلى . فنادتني رواية “ولي الله” للأستاذ رشيد مشقاقة لأشبع بعض فضولي وشغبي وشغفي الفكريين.
العتبة:
ولي الله بدايتي دهشة و إثارة أمام عنوان مخادع ومخاتل ” ولي الله” عنوان يتكون من مركبين اسمين في علاقة إضافية، و الولي هو من له الخلافة في الأرض ولايته منوطة بعمارة الأرض ، مكلف برسالة سامية .
وولي الله عند أهل التصوف يقيم في مرتبة تَلي مرتبة النبي، ويستندون إلى قول الله: (( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ )) [يونس:62]، ومنهم ظهير الدين القادري الذي يقول: (الولاية ظل النبوة، والنبوة ظل الإلهية) غير أن ولي الله في رواية الأستاذ رشيد مشقاقة عنوان له دلالتان اثنتان تشكلان بؤرة النص و محتواه ،دلالة مقدسة و دلالة مدنسة .
الدلالة المقدسة تتجلى في البعد الصوفي الروحاني للولي وطقوسه في الذكر والتقرب إلى الله ، و الدلالة المدنسة متمثلة في المكان: ضريح تُمارس فيه كل طقوس المجون و العربدة . فولي الله بالرواية مكان تمارس فيه صفتان متوازيتان الخير و الشر العبادة والعربدة .
الشخصيات :
رواية ولي الله اشتغلت على المحكي للحياة، إذ تتبعت مسار حياة أسرة عمد السارد من خلالها إلى فضح سلوكات داخل المجتمع معتمدا في السرد على شخصيات / مثال : الحاج الشرفاوي الشخصية الأكثر إثارة فهي شخصية مركبة تجمع بين صفتين متوازيتين .
يمارس طقوسه المقدسة والمدنسة في آن واحد داخل مقام رُمز له بالمقدس ( ضريح ولي الله ) شخصية تتقاطع مع السي السيد في ثلاثية نجيب محفوظ جمعت بين المجون و التعبد ناهيك عن ممارسته الشذوذ الجنسي مع أعوانه الذي كان يتفنن في اختيارهم .
و إن جاء في أبحاث سابقة أن شخصية الشاذ جنسيا في الروايات المغربية ارتكزت على الأجانب فالكاتب برواية ولي الله له جرأة تعرية مسكوت عنه في شخصية مغربية موقرة ” الحاج ” من خلالها طرح الأنماط الأولية عند يونك في فضح الرغبات الإباحية الكامنة في اللاوعي حيث مارسها الحاج و زوجته ماجدة التي كانت تشاركه عشاقه وهي مدركة بذلك .
وهاته الشخصية المركبة نجدها أيضا عند الابنة التي تؤمن أن الحياة ليست فقط متعة جنسية و استقرارا عاطفيا بل كانت تسعى إلى البهرجة، فأبانت عن رغبتها في أن يكون لها زوج تتباهى به أمام المجتمع، وعاشق تحبه و تمارس معه نزواتها فهي لا تلعب دور المرأة اللعوب أو الخائنة، بل تريد أن تحقق قناعة تِؤمن بها .
ثم نجد شخصية ثالثة اختارها الكاتب لتكون ضمير الرواية . أيمن الابن شخصية بعيدة عن الغلو و المبالغة في تركيبها كما رأينا في شخصية الحاج و الحاجة والابنة .
شخصية انطلقت من واقع معتدل تحلله و تشخصه بل أكثر من ذلك إذ كان صوت الكاتب الذي لم يتخلص من جبة القاضي المثقف المدرك بما يقع بداخل الرواية وخارجها .كان هو الضمير المحرك المحلل من خلال الحوارات المتعددة داخل الأحداث سواء مع صديقه أو زملائه أو مع أسرته ناقشَ و حلَّلَ الواقع المغربي الحالي .
أيمن كان بوقا يفضح سلوكات داخل مجتمع عرف عدة انتكاسات سياسية / أخلاقية / أسرية / اجتماعية وجعل الاسرة المنحلة كمثال لمجتمع متفكك .
فإن كان الأب قدوة يُحتدى بها فالحاج أجهز على أسس القيم بسلوكات منحرفة ليصير مآل الأسرة بأكملها الاعوجاج و الانحراف . في حين تدارك الأمر من خلال أيمن العنصر الوحيد الذي استطاع بثقافته و قناعته أن يكون هو القدوة / المثل .
دور أيمن بالرواية كان موعظيا أكثر منه عمليا إذ لم يستطع أن يغير الواقع لكنه كان رمز المثقف /الشاب الواعي بالأحداث والملم بحذافيرها السياسية / الاجتماعية والمضطلع على بؤر الفساد محاولا التصحيح و التقويم بالمنطق والابتعاد عن الغلو والتطرف و التشدد .
أيمن اختاره الكاتب ليكون الملاحظ والمدرك للخلل من الداخل ( الأسرة / المجتمع ) لكن أحداث الرواية لم تسرع وتيرة التغيير بالثقافة لأنها تتطلب توعية وتحسيسا في مدة زمنية أطول .
بالمقابل نجد أن التغيير برواية ولي الله جيء به عن طريق الفعل ( الجريمة ، الطلاق ، الصدمة ، الموت) ثم العودة إلى الضريح بما يراه السارد ملائما لطقوس المعالجة بين الذات و الصواب .
ثم أرجع إلى ما اخترته كعنوان لمداخلتي
تأثير السُّلط وجدلها في رواية ولي الله :
– سلطة المجتمع التي فرضت على الشخصيات العيش بأقنعة، وصعوبة مواجهة هذه السلطة.
– سلطة الأيقونة ممثلة في الرياضي الذي عشقته الابنة حتى مع عدم قدرته على الزواج وعجزه، ولكنه يمثل بريقا إعلاميا…
– سلطة المثقف: سلطة ظلت ثابتة لكنها بطيئة في اشتغالها لأنها تشتغل على الرمزي ممثلا في تغيير الأفكار، وهو تغيير يستند إلى الزمن أي إلى التراكم…
و أخيرا قد نجحت رواية “ولي الله” في استفزاز القارئة بداخلي، ودعتني لممارسة عشق دراسة ما قرأت فعدت إليكم بحلة أخرى أتمناها تليق بي كقلم أغرته زخرفة حروف و معنى فلبى النداء .
ــ
مداخلة الشاعرة المغربية إيمان الونطدي بالمكتبة الوطنية في الرباط، بمناسبة حفل تقديم و توقيع رواية ” ولي الله” للكاتب رشيد مشقاقة.
روابط ذات صلة:أهمية غلاف الكتاب وضرورة العناية به جماليا*