فانتازيا.. ليبية!

عبد الله الثني، رئيس الحكومة الليبية التي تُلصق بها عبارة (المُعترف بها دولياً) كلما تم ذكرها لهذا السبب أو ذاك، استحضر في لحظة غضب أو خوف (لا فرق) غرائبيات زعيم الجماهيرية الليبية العظمى، الراحل معمر القذافي، فقام باعلان استقالته من منصبه على الهواء مباشرة، بعد أن وجّه مذيع تلفزيوني اليه سؤالاً «عادياً» مفاده: ماذا ستفعل اذ حدثت احتجاجات شعبية ضدك في الشارع؟ فلم يتردد الرجل الذي يقود حكومة «يعمل» وزراؤها من فنادق في مدينة طبرق بالقول: إن الناس ليسوا بحاجة للاحتجاج ضدي، لأنني سأستقيل رسمياً من منصبي يوم الأحد (المقبل).

المزيد: ليبيا: رئيس الحكومة المعترف بها دوليا يعلن استقالته


هكذا اذاً، وبعد ان دفع الليبيون، في شرق البلاد، حديث الحكومة التي يرأسها الثني (ولا تنسوا انها المعترف بها دولياً) كما في غرب ليبيا، حيث حكومة «فجر ليبيا» التي يُهيمن عليها الاخوان المسلمون ويكتبون جدول اعمالها ومقرها في طرابلس العاصمة، دفع الليبيون ثمن هذا الصراع الدولي والاقليمي وخصوصاً العربي والتركي من لحمهم العاري ومستقبل ابنائهم، فيما يواصل زعماء الميليشيات وامراء الحروب وشيوخ القبائل، التضحية بالوطن الليبي وشعبه خدمة لمصالحهم الشخصية وتسديداً لفواتير اسيادهم في الغرب الاطلسي والشرق العربي والباب العالي في أنقرة..
أن يخرج الليبيون على من زعموا انهم «حرّروهم» من الطاغية وفجّروا ثورة 17 فبراير (شباط) لاسقاط حكم العقيد الذي جاء الى الحكم بثورة اسماها ثورة الفاتح من سبتمبر، ليُطالبوا بمحاربة الفساد الذي اغرق البلاد وانهك العباد وان يدعوا قادتهم «الجدد» الى اصلاح الادارة الحكومية التي باتت اسوأ مما كانت عليه في عهد الأخ القائد وأن يرفعوا صوتهم عالياً داعين الحكومة كي توفر لهم الخدمات الاساسية بل أبسطها مثل الكهرباء، ناهيك عن انتقادهم اللاذع لحال الفلتان الأمني التي تسود «مناطق» سيطرة الحكومة «المُعترف بها دولياً»، يعني في نظر الأخ الثائر (المرضي عنه دولياً) عبدالله الثني، الهرب الى الامام واعلان استقالته، بدل ان يعترف بتقصيره ويتعهد للجمهور الليبي المُنهك واليائس والمُحبط بان يتنكّب طريق الشفافية والنزاهة ويُحارب الفساد مهما كان الثمن الذي سيدفعه.
شيء من هذا السلوك الحضاري لا تعرفه «رموز» الحكومتين الليبيتين، لا تلك المُعترف بها دولياً ولا خصوصاً تلك التي تقيم في طرابلس ويُمسك بها الاخوان المسلمون (عبر حزب العدالة والبناء) والتي يقودها الثائر الاكبر خليفة الغويل.. بل يبدو ان محاولة الاغتيال التي تعرض لها عبدالله الثني في ايار الماضي، ما تزال «صدمتها» النفسية تقيم في ذاكرته، الأمر الذي دعاه وقد واتته الفرصة بعد ان هدد «رعايا» حكومته بالنزول الى الشارع كي يهرب تاركاً مسؤولية اخراج ليبيا من الجحيم الذي تقيم فيه، الى «ثائر» آخر، علّه يحظى باعتراف دولي هو الاخر، فضلاً عن ان الرجل (الثني) عن قصد او ربما عن غير قصد، اختار مناسبة مرور شهر كامل على اتفاق الصخيرات ( 11/ 7 ) الذي وقّعه طرفا الصراع في ليبيا برعاية المبعوث الأممي برناردينو ليون، كي يستقيل رغم ان مؤشرات تطبيقه غير مشجعة بعد ان اعترضت حكومة فجر ليبيا المصنفة ارهابية… دولياً، عليه بحجة «غياب نقاط جوهرية فيه».
أطرف ما في السلوك الفانتازي الذي اقدم عليه رئيس الحكومة المُعترف بها دولياً بتقديم استقالته على الهواء مباشرة، هو مسارعة المتحدث باسم الحكومة حاتم العريبي، الى « نفي» استقالة رئيس حكومته بالقول: رئيس وزراء ليبيا لم يستقل رسمياً، وانما قال خلال المقابلة التلفزيونية،.. في حال طلب الشارع ذلك.. سأستقيل.
فهل هذا صحيح؟ طبعاً لا.. فالثني استقال على الهواء وطلب من الليبيين «مسامحته» على الاخطاء التي ارتكبها (ان كانت هناك اخطاء كما قال).
انها الفانتازيا الليبية الممتدة.. منذ عهد الثائر الاكبر مفجر ثورة الفاتح، حتى عهد ثوار الاطلسي.

*كاتب صحفي/”الرأي” الأردنية

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *