بقلم: مفتاح شعيب
من يرى أن جولة المفاوضات الليبية في منتجع الصخيرات المغربي هي الفرصة الأخيرة للإنقاذ، قد يكون على صواب، إذا كانت الأطراف الحاضرة على طاولة الحوار جادة بالفعل في التوصل إلى مخرج مشرف يجنب الليبيين جميعاً السقوط في المصير الأسوأ، لا سيما وأن الوقت والتطورات الجارية على الأرض لم يعودا يسمحان بمزيد من المناورة.
لقد قدم الوسيط الأممي برناردينو ليون مسودة اتفاق سياسي إلى الفرقاء تقضي بوقف إطلاق النار ونزع سلاح الميليشيات وتشكيل حكومة وحدة وطنية ترسي الأمن وتحافظ على سيادة ليبيا ووحدتها الترابية، وكتعبير عن الإرادة الحسنة في التوصل إلى حل نهائي للأزمة، شهدت الجلسة الافتتاحية لجولة الصخيرات الجديدة اجتماع المفاوضين من مختلف الأطراف في القاعة نفسها . ومع ذلك هناك بعض التشاؤم أوحت به تصريحات ليون، مفادها أن المقترحات المقدمة تقضي بأن يقدم كل طرف تنازلات مؤلمة، لكنها خصت البرلمان المعترف به دولياً المقيم في طبرق بالجانب التشريعي، بينما هناك ملامح لمحاصصة بين طرفي الأزمة الرئيسيين بشأن توزيع المناصب الحكومية وقيادات الأجهزة العسكرية والأمنية.
النقطة الغامضة في كل ما يجري من مفاوضات واجتماعات تتعلق بما يجري على الأرض، فمحادثات الصخيرات تجري نظرياً بين الحكومة الشرعية و«برلمان طرابلس» المنحل، أي بين سلطتين متنافستين. وإذا كانت حكومة عبد الله الثني وجيشها بقيادة اللواء خليفة حفتر عجزت عن النصر العسكري وحسم الأمر لصالحها، فإن جانب الإثارة يتعلق بالحكومة المتمردة في طرابلس وذراعها المسلحة ممثلة في «فجر ليبيا». وتطرح التطوات المسلحة الأخيرة في الغرب الليبي تساؤلات كثيرة عن سر «الانتصارات» الكبيرة التي يحققها تنظيم «داعش» الإرهابي في سرت وحول مصراتة مقابل الانسحابات المثيرة لميليشيات «فجر ليبيا»، وبينما تتهم حكومة الثني هذه الميليشيات بتسليم مناطق عدة إلى التنظيم الإرهابي، هناك مؤشرات عديدة على تحالف غير معلن بين التنظيم والميليشيا بهدف امتصاص الحل السياسي الذي تعمل الأمم المتحدة على فرضه بما يؤدي إلى إبقاء الوضع على ما هو عليه وربما أخطر مما كان في السابق.
قبل أيام لم يستبعد وزير الدفاع الإسباني بيدرو رومينيس التدخل العسكري المباشر لمكافحة الإرهاب في ليبيا، وهي فكرة مازالت فرضية ولكن أنصارها في الجانب الأوروبي يتكاثرون بسبب التهديد المتنامي. ولا يمكن الفصل بين نشاط الوساطة الأممية والتلويح الغربي باستخدام القوة، بل الأمران مترابطان، ويعني تلازمهما ،إن فشل الخيار السياسي سيمر حتماً إلى الخيار العسكري. وليست إسبانيا وحدها من عبرت عن هذا الاحتمال فقد سبقتها إلى ذلك إيطاليا وفرنسا.
سؤال المرحلة هو: هل يمكن أن تفضي مفاوضات الصخيرات إلى حل سياسي قابل للحياة؟ والجواب البديهي أن ذلك ممكن من الناحية الشكلية والسياسية، أما في الميدان فستكون هناك صعوبات جمة، فقد تجد حكومة الوحدة المنشودة إذا كتبت لها الولادة في مواجهة «سلطة» تنظيم داعش الذي يكاد يسيطرعلى الهلال النفطي في وسط البلاد، وهذا التنظيم الإرهابي لا يمكن التفاوض معه عبر وسيط دولي، وتمدده المتواصل سيكرس انقساماً جديداً لا حل معه غير القوة، وهو حل مفتوح على سيناريوهات عدة.
“الخليج”