شكل قرار السلطات المجرية بإغلاق محطة القطارات الرئيسية في بودابست، عائقا أمام العشرات من اللاجئين الراغبين في إكمال مسيرتهم نحو غرب أوروبا، والذين عمدوا إلى الهتاف “ألمانيا ألمانيا” التي أصبحت تجسد حلم الفردوس الأوروبي.
وخصصت صحيفة “نيويورك تاميز” الأمريكية عمودا مطولا حول الأزمة التي باتت تواجهها القارة العجوز خلال الأسابيع الماضية، فإلى جانب الأزمة المالية التي تمر منها اليونان، والمشاكل السياسية القائمة بين الجارتين روسيا وأوكرانيا، استيقظت ألمانيا على العشرات من اللاجئين، خاصة السوريين، الفارين من نيران الحرب التي هدمت بيوتهم وقتلت أفرادا من عائلاتهم.
هذا وأضحت أزمة اللاجئين تؤرق دول الاتحاد الأوروبي على رأسها الدولة الألمانية، التي وجدت نفسها مرغمة على إيجاد حلول لهذه “الدراما الأوروبية” نظرا لتخلف وتماطل الاتحاد الأوروبي عن احتواء الوضع.
إلى جانب ذلك تكافح الحكومة الألمانية اليوم من أجل إيجاد توافق في الآراء بين شركائها الأوروبيين بشأن الأزمة الراهنة.
مشكلة ازدادت على عاتق الحكومة الألمانية التي، ونظرا إلى مكانتها الاقتصادية، أصبحت تتحمل العديد من المسؤوليات، فحسب كريستوف شولت من جريدة “دير شبيغل” الألمانية وضعت الحكومة الألمانية أمام مواجهة عدد من المسائل الكبيرة ضد إرادتها، على سبيل المثال دعمها لليونان على خلفية تراكم ديون هذه الأخيرة ما تسبب في إشرافها على الإفلاس، إلى جانب تعاونها مع روسيا من أجل حل الأزمة الأوكرانية.
يضيف شولت أن أزمة اللاجئين، والتي تكلف الحكومة الألمانية اليوم قرابة 35 يورو يوميا عن كل لاجئ، ستزيد من عبئ ألمانيا، مشيرا إلى أن المستشارة أنجيلا ميركل “ليست سعيدة بشكل خاص إزاء هذا الدور، حيث تفضل لو أبدى الآخرون مزيدا من التعاون وأخذ زمام المبادرة”.
ومن الواضح أن “ميركل باتت في موقف محرج” على حد قول شولت، والتي لا تريد أن تقود بلادا مع كل هذه المسؤوليات الثقيلة”، مضيفا “لكن نحن هنا، ولا يوجد سبيل للخروج من هذا الوضع”.
تكافح ألمانيا، التي تعتبر بمثابة القوة الاقتصادية المهيمنة بأوروبا، من أجل التصدي للتدفقات اليومية للمهاجرين الفارين من بلدان مثل سوريا والعراق، حيث تعمل على ضبط الأمور وفق نظام ممنهج لاستقبال طالبي اللجوء.
تشير الإحصائيات اليوم إلى أن إزاء ربع اللاجئين يتواجدون بالأراضي الألمانية، كما وغمرت أعداد المهاجرين التي تقدر بالآلاف دولا أخرى في جنوب أوروبا، في وقت ما تزال الأرقام مرشحة للارتفاع.
ومع توالي المهام الموكلة إليها، تجد برلين نفسها مرغمة على المضي قدما والاستجابة للمطالب الأوربية لغاية في نفس يعقوب، فبالرغم من مشاكلها المتعلقة بماضيها السياسي والمرتبط بمظاهر الديكتاتورية التي طبعت تاريخ ألمانيا خلال القرن الماضي، تعمل ألمانيا على الحفاظ على مكانتها المميزة داخل الاتحاد.
أزمة تلو الأخرى، تعمق من جذور القوة الألمانية، وتزيد من تقريب ألمانيا نحو هدف المركزية داخل القارة العجوز، تؤكد دانييلا شوارزر، مديرة مكتب برلين لصندوق مارشال التابع لمشروع مرشال الألماني، والذي أنشئ إبان الحرب العالمية الثانية بهدف إعادة اعمار أوروبا، إلى جانب ذلك تسعى الحكومة الألمانية بالعمل مع دول أخرى، من أجل بناء تحالفات حقيقية داخل الاتحاد.
وبعد أن ألصقت بألمانيا في وقت سابق تهمة الأنانية والقسوة على خلفية مطالبتها بطرد اليونان من الاتحاد الأوروبي، تشيد عدد من الدول اليوم بالجهود المبذولة من طرف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والتي باتت تشكل مثلا للمدافعين عن الإنسانية، حيث شددت المستشارة على ضرورة التسامح في مؤتمر صحفي عقد أول أمس الاثنين على خلفية المظاهرات التي شهدها مركز اللاجئين بـ هيديناو.
وأضافت شوارزر أن ألمانيا تهدف إلى كسب المصداقية الأخلاقية مرة أخرى أمام الرأي العام الدولي من خلال أزمة اللاجئين، بعد الانتقادات التي وجهت لها عقب أزمة اليونان.
وحسب هانز كوندناني، محلل سياسي ألماني، “إن كانت أزمة اليونان أظهرت الوجه القبيح لألمانيا، فإن أزمة اللاجئين تسعى إلى إبراز مفاتن الحكومة الألمانية عن طريق ميركل”، مشيرا غلى أنه ورغم رد الفعل الألمانية المتأخرة، إلا أن ميركل تحرص دائما على تقفي الرأي العام الألماني قبل أن تتخذ القرار، فعلى غرار الأزمة اليونانية والأوكرانية والآن أزمة اللاجئين، أبدت المستشارة تريثا كان في صالح ألمانيا.
كان اكتشاف السلطات النمساوية لـ71 جثة للاجئين داخل شاحنة، كافيا من أجل توجيه الرأي العام الألماني نحو المطالبة بتقديم مساعدات لهؤلاء المهاجرين، ما شكل بوصلة قادت المستشارة إلى إعلان دخول الحكومة الألمانية على الخط من أجل تقديم مساعدات للمهاجرين.
إلا أنه ورغم الدعم المعلن لهذه القضية، حذرت ميركل باقي الدول الأوروبية، التي وافقت على فكرة التعاون من أجل حل أزمة اللاجئين عن طريق تقاسم أعداد الوافدين، من أن سياسة إزالة الحدود بين الدول الأوروبية، باتت تهدد استقرار المنطقة ككل، مشيرة إلى أن قبول تقاسم أعداد المهاجرين ستحتم على الدول الأوروبية عدم الخوض في موضوع تأشيرة “شنغن” مرة أخرى.
إقرأ المزيد:12 دولة تعارض خطة تقسيم المهاجرين بين دول الاتحاد الأوروبي
الصورة الأخلاقية التي تسعى ألمانيا إلى تمريرها للعالم عن طريق دعم المهاجرين، ربما تخفي وراءها أسبابا أخرى، ففي نظر شوارزر ب تسعى ألمانيا وراء أهداف تصفها بـ”الديموغرافية”، حيث أن استقبال المهاجرين سيشكل حللا فعليا للخلل الذي يعاني منه الهرم السكاني بألمانيا، والذي يصفه البعض بـ”هرم الشيخوخة”، ما من شأنه أن يدفع بألمانيا خلف بريطانيا وفرنسا في عدد السكان خلال سنة 2050 .