الرئيسية / دولي / “راخوي” مع الحوار والتوافق وعمر حكومته الجديدة مجهول وتطواني ناطق باسمها
الحكومة الاسبانية

“راخوي” مع الحوار والتوافق وعمر حكومته الجديدة مجهول وتطواني ناطق باسمها

أجمعت غالبية وسائل الإعلام  الإسبانية، على وصف  الحكومة الجديدة التي أدى أعضاؤها القسم صباح الجمعة بقصر “لا ثرثويلا” أمام العاهل الإسباني الملك فليبي السادس، بكونها حكومة الاستمرار، من حيث عدد أعضائها 13 ونسبة الحضور النسوي فيها  5 في مقابل 8 رجال؛ لكنها لا تخلو مع ذلك من بعض  سمات تجديد تتجلى في  الوزراء الجدد الوافدين وكلهم من الحزب الشعبي، جرى  اختيارهم بعناية وبتحكيم معيار الكفاءة والخبرة والقدرة على الحوار مع المعارضة والمجتمع الإسباني الذي له مطالب  وانتظارات اجتماعية، مثلما أن المعارضة لن تكون رحيمة  حيال حكومة  الأقلية التي فازت بثقة  البرلمان بما يشبه “البركة” التي يسرها  تغيب نواب الحزب الاشتراكي العمالي  عن التصويت، دون تخليهم  عن دور المعارضة.

وفي هذا السياق أنهى رئيس الحكومة، ماريانو راخوي، مهام ثلاثة وزراء أساسيين، يرمزون بمعنى من المعاني، إلى السيادة. ويتعلق الأمر بحقائب  الخارجية والداخلية والدفاع الوطني. فباستثناء وزير الدفاع السابق  “مورينيس” وهو مهندس مدني  وليس عسكريا، طالما رغب في التخلي عن منصبه منذ مدة، فإن ماريانو راخوي، ضحى باثنين من أخلص أصدقائه الشخصيين هما وزير الخارجية  خوصي ماريا مارغايو” والداخلية فرنانديث دياث، اللذين وجهت لهما بعض الانتقادات، لذا ارتأى تعويضهعما  بمن هما اصغر سنا أكثر وكفاءة مهنية.

lontone

وعلى سيبل المثال فأن رئيس الدبلوماسية الإسباني الجديد، دبلوماسي محترف، تقلد عدة  مسؤوليات في الداخل والخارج،  أطولها وأخصبها  تلك التي قضاها  لدى المفوضية الأوروبية في بروكسل ممثلا دائما لبلاده،أو قريبا منها حينما عين  سفيرا في هولندا في ظل الحكومة الاشتراكية.اشتهر بكونه المفاوض الصعب المراس الذي لا يستسلم لمحاوريه حين الدفاع عن مصالح بلاده.

ويشير اختيار، ألفونصو داستيس كيثيدو، لتوجيه السياسية الخارجية خلال الولاية الحكومية التي لا يعرف  أحد كم ستدوم؛ يشير إلى توجه إسبانيا نحو أوربا وانخراطها الفاعل في الشأن السياسي  الأوروبي خاصة وأن التفاوض بين بروكسيل ومدريد تنتظره ملفات شائكة ذات طابع اقتصادي ومالي بالأساس.

ولم يخلف، فرنانديث دياث، وزير الداخلية السابق، موظف سامي من جهاز  الداخلية، وذو خلفية أمنية بالنظر إلى أن الوزارة لها صلاحيات أمنية كبيرة، وإنما جرى استقدامه  من هيئة القانون حيث تدرج الوزير الجديد  في مناصب بسلك العدالة قبل أن ينخرط في السياسية الحزبية في حزب رئيس الحكومة بإقليم الأندلس.

ويحمل تعيين “خوان إيغناثيو ألفاريث” على رأس الداخلية، رسالة إلى المجتمع والمعارضة  مفادها أن الفريق الحكومي الجديد لن يتهاون  بخصوص مكافحة الفساد الذي انتشرت روائحه وخاصة في الحزب الشعبي. فالوزير الجديد، على علم بملفات الفساد التي باشر بعضها بصفته قاضيا ومحققا  وبالتالي فهو الأعلم  بمداها وتشعبها  وشبكة الضالعين فيها.

وعلى الصعيد الاقتصادي، وهو الملف الحيوي بالنسبة لأية حكومة، فضل راخوي الاحتفاظ بالوزيرين  اللذين اشرفا على  ملف الاقتصاد والمالية في حكومته السابقة، لأسباب عملية تتمثل في التجربة  التي راكماها من احتكاكهما  بالملفات  الصعبة وأيضا  بفضل  النجاح النسبي الذي حققاه  ما ساهم في أخراج البلاد من نفق الأزمة المالية  العميقة الموروثة عن الحكومة الاشتراكية  السابقة.

ministre-espain

ومن الطبيعي  أن ترى المعارضة في  الاحتفاظ بالوزيرين  “لويس غيندوس وكريستوبال مونتوروا” مؤشرا على استمرار  نفس السياسة المالية اليمينية  المتسمة  بارتفاع الضرائب والتقشف في الإنفاق على القطاعات الاجتماعية مثل الصحة والتربية والتعليم…

ويستطيع  رئيس الحكومة، تبديد مخاوف المعارضة والفئات الشعبية المتضررة، بالتأكيد على  إن شعار المرحلة الحالية والمقبلة  هو الحوار والتفاوض والسعي إلى التوافق  عبر الإصغاء الجيد إلى المطالب، ما يجعل أية إجراءات حكومية مالية، قابلة للتعديل والمراجعة على اعتبار أن القول الفصل يعود في الأخير لرئيس الوزراء.

وفي سياق الرغبة المعلنة  للحزب الشعبي الحاكم، في الانفتاح وإقامة علاقات سلمية قدر الإمكان، مع المعارضة الدستورية الممثلة أساسا في  الحزب الاشتراكي والعمالي وثيودادانوس (مواطنون) فإن  زعيم الحزب اختار بعناية من أسند إليه وظيفة الناطق الرسمي باسم الحكومة، وهي المهمة التي كانت تتولاها نائبته “سوريا سانتا ماريا” التي عززت موقعها  النافذ في هرم السلطة  بالحفاظ على مهامها بالإضافة إلى الإشراف على  السياسات الترابية ومراقبتها المباشرة لجهز الاستخبارات الخارجية.

ولا يشك كثيرون في أن السيدة “سوريا” ذات الخمس والأربعين  ربيعا، والتي لا يتعدى طولها 155 سنتيما بالكعب العالي، تشتغل بدون كلل بل تعتبر  الصندوق الأسود لماريانو راخوي، فقد  رافقته وارتقت  معه  منذ أن  كان وزيرا في حكومة خوصي ماريا أثنار.

ويتخوف ملاحظون من صراع محتمل على النفوذ بين  النائبة الأولى لرئيس الحكومة ووزيرة الدفاع الجديدة “ماريا دولوريس دي كوسبيدال” الأمينة العامة الحالية للحزب الشعبي، بسبب التقاطعات بين السياسة الحكومة والتوجهات الحزبية؛ لكن ذات الملاحظين  يميلون إلى الاعتقاد أن ولاء المرأتين  القويتين لرئيسهما المباشر، سيبعدهما عن مناطق الاصطدام  خاصة وأن “سانتا ماريا” ستكون منشغلة بمعالجة ملفات كثيرة من قبيل  تداعيات انفصال إقليم كاتالونيا  ومناطق  أخرى  ترفع مطالب التحرر من ثقل الحكومة المركزية، كما أنهما مجبرتان على التعاون، فلكل منهما امتداد في الحزب والحكومة.

وباختياره وزيرة للدفاع وهي دارسة للقانون، يعود ماريانو راخوي، إلى التقليد الذي دشنه سلفه السابق، خوصي لويس ثباطيرو، حين  أسند وزارة  الدفاع  في حكومته للسيدة كارمي شاكون، وهي  في الشهر السابع  من حملها.

ومن بين الحقائب التي لها دلالة خاصة تلك التي انتزعت من النائبة الأولى للرئيس وأضيفت إلى وزير التربية والثقافة والرياضة “إينييغو منديث” (من مواليد تطوان عام 1955) الذي عقد أول ندوة صحافية باعتباره الناطق الجديد باسم الحكومة، مشددا على رغبة السلطة الجديدة في الحوار وعلى حرصه الاستماع لوجهات نظر الصحافة وأسئلتها مبرزا أن  له علاقة طيبة برموزها.

يشار إلى أن ردود الفعل الأولية للمعارضة اتسمت بانتقاد الطابع المحافظ للفريق الحكومي الجديد الذي لا يختلف في جوهره عن السابق مع الإشارة الى تصريح  قاس من حزب “مواطنون” حيث ذكر ان “راخوي” فكر في مصلحة حزبه، ما قد يعني أن عمر الحكومة سيكون قصيرا بينما يطمح رئيسها  لولاية كاملة تمكنه من إدخال الإصلاحات الضرورية بعيدا عن ابتزاز اليسار الفوضوي والانفصالي.