تعرف العديد من المدن المكسيكية انتشارا واسعا لتجارة البشر. المئات من الفتيات يرغمن على امتهان الدعارة على نطاق واسع من أجل كسب المال الذي يذهب أغلبه إلى جيوب الوسيط أو زعماء مافيات المتاجرة بالبشر.
وعلى غرار العديد من العاملات في شبكات الدعارة، تعرضت كارلا خاسينتو، إلى النصب من طرف أحد الوسطاء من أجل إقحامها في هذا المجال الذي تمتهنه مكرهة منذ أربع سنوات.
في حديثها إلى موقع “CNN” الإخباري، أكدت الفتاة البالغة من العمر 16 سنة سقوطها ضحية احتيال وسيط الدعارة، الذي اتخذ من “الحب والزواج” طعما من أجل الإيقاع بها، وإقحامها في وحل الدعارة.
وتضيف الفتاة “لقد ابتاع لي الكثير من الملابس، وكان يحدثني عن رغبته بالزواج بي، ظننت أنه سينقذني من ظروفي الاجتماعية الصعبة، إلا أن الأمر تغير بعد أشهر حيث بدأ يضربني من أجل قبول العمل في مجال الدعارة”.
وتؤكد كارلا أن الوسيط استغل صغر سنها الذي كان حينها فقط 12 سنة، من أجل الإيقاع بها، مشيرة “كان يلكمني، يركلني، يشد شعري، ويبصق على وجهي، في ذلك اليوم، حرقني بالمكواة أيضاً قبل أن يقودني إلى الشارع حيث قابلت أكثر من عشرين زبوناً، بدأت بالعمل في العاشرة صباحاً وانتهيت في منتصف الليل.”
وتشير الفتاة المراهقة إلى أنها أكرهت على تقديم خدماتها في جميع أنحاء البلاد لمدة أربع سنوات، وبوتيرة مستمرة، مضيفة أن وسيطها أرغمها أحيانا على مقابلة 30 زبونا في اليوم الواحد، وتسجيلهم في دفتر حسابات.
وتقول مسترسلة “لقد عاملني البعض منهم بازدراء، حيث كانوا يضحكون علي عندما أبكي أو أضطر لإغلاق عيني لكي لا أرى ما يفعلونه بي” مضيفة ” في السادسة عشر من عمري، كنت قد تعرضت للاغتصاب أكثر من 43 ألفا ومائتي مرة”.
هذا وتصنف المكسيك على قائمة أشهر الدول التي تعرف نشاط التجارة الجنسية بها، والتي تتحكم فيها مافيات المتاجرة بالبشر، حيث يتم حجز الوثائق الشخصية للفتيات، وإجبارهن على العيش في بيوت تحت المراقبة المشددة، بل وأحيانا الحبس أيضا.
ويعد حي “لاميرثيد”، الواقع وسط العاصمة المكسيكية، من أشهر الأماكن التي تنشط فيها ممتهنات الجنس، حيث تقوم الفتيات بعرض أجسادهن طوال اليوم في الشوارع، مقابل بعض الدولارات التي لاتتعدى أحيانا 15 دولار.
وحسب منظمة “لواء الشوارع” غير الحكومية التي تعنى بمساعدة عاملات الجنس في المكسيك، تضطر العاملة الواحدة إلى تسليم الوسيط مابين 200 إلى 400 دولار في اليوم، ما يعني أنها مجبرة على مقابلة 13 زبونا على الأقل في اليوم، مقابل الحصول على غرفة وبعض الطعام.
وحسب المنظمة، يقدر عدد القاصرات الممتهنات للدعارة في هذا الحي بنحو الثلث، مشيرة أن القتل يكون مصير من تحاول الفرار أو عصيان الوسطاء، حيث لقيت 14 امرأة مصرعها على يد رجال المافيا سنة 2007 بسبب محاولتهن الهروب.
وفي حديثها عن تدخل السلطات للحد من هذا النوع من الاستعباد، أكدت المنظمة على لسان مؤسسها خايمي مونتيخو، أن عددا من رجال الأمن يتواطؤون مع مافيات المتاجرة بالبشر، معطيا مثالا لمدينة “تيخاوانا” الواقعة على الحدود مع الولايات المتحدة، حيث تحصل السلطات على نحو 150,000 دولار سنويا مقابل غض الطرف عن التجارة الجنسية، في وقت تصل حصتها من هذه التجارة إلى نحو 450,000 دولار سنويا في حي “لاميرثيد” الشهير بالعاصمة.
وفي نفس السياق، تحدثت الفتاة كارلا عن اقتحام عناصر الشرطة لأحد دور الدعارة التي كانت تشتغل بها، حيث عمدوا إلى عقد صفقة مع المالك عوض إلقاء القبض عليه، مضيفة “دخل الضباط إلى غرفنا، فعلنا كل ما طلبوه منا لمدة أربع ساعات” في إشارة إلى حصولهم على خدمات جنسية.
وتؤكد الفتاة التي تمكنت من الهرب بعد أربع سنوات من الاستعباد” عندما طلبوا منا ذلك شعرت بالاشمئزاز، لقد كانوا يعلمون أننا لا نزال أطفال، وأجسامنا لم تكتمل بعد، إلا أنهم تغاضوا عن ذلك”.
ومن جهتها، أشارت سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية لمحاربة التجارة الجنسية سوزان كوبيدج أن العديد من الفتيات يقعن ضحايا الاحتيال، حيث يجدن أنفسهن وسط وحل الدعارة، مضيفة بخصوص ممتهنات هذه المهنة “هذه هي صنعة المدينة، وما زالت كثير من فتيات القرى يجهلن هذه السمعة. لذلك لا يشكون بالرجال الذين يتقدمون لهن من هذه المدينة، ولكنها نفس قصة الاحتيال في كل مرة.”
وفي حديثها عن حالة الفتاة كارلا، تقول إحدى الناشطات الحقوقيات ضد التجارة الجنسية في المكسيك ““يمكنكم تخيل ما يدور بمخيلة فتاة في الثانية عشر من عمرها وهي تضرب، تحرق، وتركل من أجل دفعها إلى ممارسة الدعارة”.
وحسب الناشطة الحقوقية روزي أوروزكو، كانت قائمة زبناء كارلا تضم عددا من الشخصيات المرموقة من بينهم قضاة وعناصر من الشرطة، وقساوسة وكهنة، وآخرون عمدوا إلى نهش جسدها الصغير، الأمر الذي منعها من التوجه إلى السلطات طلبا للمساعدة.
وتضيف أوروزكو أن التجارة الجنسية بالمكسيك تضم المئات من الممتهنات من كافة الأعمار، مشيرة أن نحو مليوني طفل يستغلون جنسيا سنويا في البلاد، بينما يحول الخوف والفساد المستشري في دواليب الشرطة والقضاء دون هروب الأطفال والفتيات بالخصوص من قبضة مافيات التجارة الجنسية.