بقلم: حياة زلماط
إن المجتمع المغربي ﺒﺇعتباره دولة اسلامية تاريخيا ودستوريا تكون لديه ثوابت تختلف عن باقي المجتمعات الاسلامية الاخرى، وﻫﺫه الثوابت وجدت في المغرب بيئة ملائمة ولدت فيها وترعرعت. أﺫن ماهي أهم ثوابت الاسلام المغربي وأسسه الفكرية؟ وماهي خصوصياته؟؟.
1- ثوابت الاسلام المغربي:
أولا= ﺍﻠﻤﺫﻫب المالكي:
لقد اختار المغاربة ﻤﻨﺫ أربعة عشر قرنا، ﺍﻠﻤﺫﻫب المالكي ﻤﺫﻫبا رسميا للدولة المغربية، ﻤﻨﺫ بدايته الاولى مع عهد الادارسة ليتم ترسيخه وﺘﺠﺫره على عهد المرابطين، برغم من معرفتهم لمختلف ﺍﻠﻤﺫاﻫب الاسلامية الأخرى من شيعة وخوارج ومعتزلة وشافعية وحنفية وظاهرية… وغيرهم ولكن المغاربة استقروا على ﺍﻠﻤﺫﻫب المالكي دون غيره مما عرفه وجربه، وقد كان ﻫﺫﺍ الاستقرار عن جدارة واستحقاق -فهو ﻤﺫﻫب أهل المدينة -. حيث لم ينحصر فقط في المساجد والمدارس الدينية، ولم يكون خاصا بفتاوى العبادات وبعض المحرمات، بل كان ﻤﺫﻫب السياسة والحكم، وﻤﺫﻫب المال والاقتصاد، ومذهب الدين والدنيا …(1) حيث ظل شعارا من شعارات الدولة المغربية، بل تحول الى مدرسة تربوية اصلاحية ساهمت في بناء الشخصية المغربية بكل مميزاتها وخصائصها. حيث قال جلالة الملك محمد السادس:” فقد تمسك المغاربة على الدوام، بقواعد ﺍﻠﻤﺫﻫب المالكي، المتسم بالمرونة في الأﺨﺫ بمقاصد الشريعة والانفتاح على الواقع، وعملوا على اغنائه باجتهاداتهم، مؤكدين ملاءمة اعتداله لروح الشخصية المغربية المتفاعلة مع الثقافات والحضارات .”(2) فمن هنا نستنتج ان من بين خصائص استقرار ﺍﻠﻤﺫﻫب المالكي في المغرب كونه يتسم بالمرونة في معالجة كثير من القضايا الشائكة والحلات المستعصية، والسماحة والتيسير في أحكامه، والوسطية والاعتدال، وﻜﺫﻠﻜ تميزه بالبعد العلمي المعرفي بنصوص الشريعة الاسلامية وروحها…
ثانيا= العقيدة الاشعرية:
لقد عرف المغاربة العقيدة الاشعرية التي تعود لأبي موسى الأشعري. ﺫﻠﻙ أنه بعد عهد المرابطين عاش اﻠﻤﺫﻫب المالكي أزمة وجود وﻜﺫﻠﻙ بسبب التطورات المعرفية التي عرفتها العلوم في العالم الاسلامي، خاصة في مجال الفلسفة وعلم الكلام، حيث تعرف المجتمع على ﻫﺫه المباحث في العلوم، وكانت الغلبة للعقيدة الأشعرية وﺫﻠﻙ من خلال تبنيها من طرف مجموعة من الفقهاء الأعلام في عهد المرابطين، اﻠﺫين تلقوها من طرف علماء أشاعرة كبار في المشرق . الا أن الأستقرار الرسمي ﻠﻫﺫه العقيدة كان مع الموحدين اﻠﺫين تشبثوا بها وجعلها ﻤﺫﻫبا رسميا لهم ، حيث ترسخت مع باقي الملوك المتعاقبين على الدولة المغربية وصولا الى ملوك العلويين .(3)
ثالثا= التصوف السني:
ان التصوف في بداية دخوله الى المغرب، لم يجد مجالا خاليا من عوامل التمكن والانتشار، بل وجد منطقة عرفت وجود صلحاء منتشرين فيها يتميزون بكونهم فقهاء وعلماء غير منسجمين في الساحة السياسية. وفي عهد المرنيين عرفت الحركة الصوفية نشاطا نتيجة الدروس التي كان يلقيها المتصوف الكبير “أبي مدين بيجاية” مما ساهم في ترسيخ الاسلام وثقافة الزهد وتعريف الناس بقواعد السلوك الديني، حيث أسهم الفقهاء الصوفيون في تسيير حياة الناس وقاموا بادوار التحكيم في النزعات على المستوى الاجتماعي والسياسي، ولعبوا دورا في حماية الاسواق والطرق وعرف لهم دور التوسط والشفعات لدى الحكام لصالح أصحاب المظالم . وﻫﺫﺍ ما أثمر هيبة في اعتقاد الناس تجاه هؤلاء الصوفيين (4). اﻠﺫين كان لهم الدور الاكبر في تدعيم قوتهم الرمزية عبر القرون وعبر الصرعات والتفاعلات حيث ساهموا على الحفاط على ﻫﺫﺍ التراث ﺍﻠﺫي شكل دعما لمشروعيتهم وتقوية لمكانتهم في عهد كل من السعديين والعلويين اﻠﺫين شكلت مرحلة حكمهم محطة ترسخ وتقوى فيها التصوف السني، فملوك الدولة العلوية بالمغرب وشيوخ العلم كانوا يوالون الصوفية ما داموا ملتزمين بالسنة مبتعدين عن الغلو بكل أنواعه واشكاله، وﻫﺫا هو المنهج السليم اﻠﺫي يحث على الوسطية والاعتدال.(5)
2- خصوصيات الاسلام المغربي:
اولا=الوسطية والاعتدال:
قال جلالة الملك محمد السادس في خطاب: “ﻓﻤﻨﺫ اربعة عشر قرنا، ارتضى المغاربة الاسلام دينا لهم، لقيامهم على الوسطية والتسامح وتكريم الانسان والتعايش مع الغير ، وﻨﺒﺫ العدوان والتطرف والزعامة باسم الدين “. (6)
فالخطاب السياسي الرسمي للمغرب في عهد الملوك العلويين، يقوم على تقديم صورة الاسلام المغربي كمدرسة للاسلام المعتدل، القائم على الوسطية والتوازن، وﻨﺒﺫ كل اشكال العدوان والتطرف والزعامة باسم الدين . ونفي عن الاسلام صفة الارهاب، حيث ﺤﺫر الراحل الملك الحسن الثاني في مناسبات عدة من مغبة الجمع بين الاسلام والعنف والارهاب، من قبيل “الارهاب الاسلامي” ووصف ﺍﻠﺫين يتبنون ﺫﻠﻙ باعداء العقيدة الاسلامية .(7)
ثانيا = التسامح والتعايش:
ان التسامح عند المغاربة هو خيار قديم، ومتأصل في عمق التاريخ المغربي نفسه ، ويستشهد الراحل الملك الحسن الثاني: في ﻫﺫا الصدد بالاتفاقية التاريخية التي عقدت خلال القرن 15 بين السلطان المريني اﻠﺫي كان يحكم المغرب آنداك والحاخام اليهودي “طيوليدانيو”، والتي بموجبها تكفل المغرب بايواء وحماية اليهود من محاكم التفتيش باسبانيا وعنها قال الراحل الملك الحسن الثاني: “مرسوم التسامح ﻫﺫﺍ ظل قائما ساري المفعول لا يبطله شيء، بل ان جدنا المولى عبد الرحمان أقر رسميا سنة 1864 وخلال أعمال التحضير لمعاهدة مدريد التي أبرمت سنة 1880 ولم تتردد وفود بعض الدول في التصريح بأن التسامح سنة عريقة في المغرب كما ﺫﻜﺭت بأن بلادنا تحترم الحرية الدينية، وتحمي اليهود والمسيحيين ﺍﻠﺫين كانوا يعيشون في المغرب …”(8)
لقد استمر ﻫﺫا التسامح والتعايش مع اليهود المغاربة كأكبر الاقليات الدينية الى ما بعد الاستقلال، ﺫﻠﻙ أن الملك الراحل محمد الخامس لم يتوانى في أغلب المناسبات على تأكيد استمرار اليهود المغاربة واعتبارهم جزء من الأسرة المغربية وجبت رعايتهم وضمان حريتهم في ممارسة عبادتهم وعقائدهم الخاصة، بل انهم وحسب مقتضيات الفصل السادس من الدستور يتمتعون بكافة الحقوق المدنية والسياسية التي يكفلها الدستور للمغاربة بصرف النظر عن جنسيتهم أو دينهم.
أما فيما يتعلق بثاني أقلية بالمغرب وهم المسيحيون، فالمدن المغربية لازالت تتواجد بها العديد من الكنائس الكاثوليكية على الخصوص، ومن أجل توطيد التسامح المغربي مع المسيحيين قام الراحل الملك الحسن الثاني بزيارة تاريخية للباتيكان في 1980،كما قام البابا “يوحنا بوليس الثاني” بزيارة مماثلة للمغرب سنة 1985، وكانت الفكرة الاساسية التي دار الحور حولها بين الطرفين ،هي فكرة تقوية الحوار بين المسلمين والمسيحين .(9)
ثالثا= التوفيقية والانفتاح:
لقد شكل الاسلام ركنا أساسيا للسلطة السياسية بالمغرب ،ومن أجل ضمان الاستمرارية والبقاء لها، عمل المغرب على تبني مجموعة من المبادئ المميزة للدولة الحديثة مع حرصها التام على الحفاظ على المؤسسات التقليدية الاساسية للنظام .(10)
ولقد طرح ﻫﺫﺍ الموضوع – أي التوافيق ما بين تعاليم الاسلام ومقومات الدولة الحديثة – اشكالية تحقيق انسجام بين عناصر ﻫﺫه الثنائية التي اشتهرت بصيغ مختلفة أصالة \معاصرة، تقليد\حداثة، اسلام \دمقراطية …وﻫﺫه المعادلة التي بدت للمتتبع صعبة حاول الخطاب الرسمي تقديمها واظهارها بشكل بسيط وسهل . حيث قال الراحل الملك الحسن الثاني: “…فما تخالونه مشكلة توفيقية عويصة هو بالنسبة الينا في غاية السهولة واليسر “.(11)
فالراحل الملك الحسن الثاني أبدى نوع من المرونة في التعامل مع المتناقضات الفكرية والايديولوجية التي أفرزها الحقل السياسي المغربي، حيث قال “الاسلام يمكن أن ينسجم مع كل الحالات، يمكننا أن نكون رأسمالييين اشتراكيين واسلاميين، بل وحتى ماركسيين، شريطة أن لا تكون عبدا لماركس …”(12) فمن هنا أكد الراحل الملك الحسن الثاني على أن الاسلام اﻠﺫي يؤمن به هو اسلام منفتح، يمكن أن ينسجم ويستوعب ثقافات وتيارات متعددة ومختلفة بما فيها الرأسمالية والاشتراكية وحتى الماركسية .
أما فيما يتعلق بعلاقة الاسلام بالمؤسسات الديموقراطية الحديثة، فالراحل لا يرى أي نوع من التناقض ما بين التحديث والتشبث بالاسلام، بل انه يؤكد أن المبادئ الديموقراطية متجسدة في التعاليم الاسلامية قبل أن تتبناها الديموقراطية الغربية(13).
وصفوة القول فقد شكلت ﻫﺫه الثوابت والخصوصيات الدينية للمغاربة، ثوابت أساسية ارتضاها المغاربة وأجمعوا عليها ﻤﻨﺫ قرون ، وكان من ثمارها أن أورثت المجتمع المغربي هوية ميزته عن باقي المجتمعات الاسلامية الاخرى.
——————-
المرجع المعتمدة:
(1)- د\محمد الريسوني، اﻠﻤﺫﻫب المالكي بالمغرب بين الجد والهزل، مجلة الفرقان، العدد 58\1428-2007،ص3
(2)- مقتطف من خطاب العرش بتاريخ 7 يوليوز 2003
(3)- مبارك رضوان، المدهب المالكي بالمغرب في عهد المرابطين والموحدين، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة ،كلية الاداب والعلوم الانسانية،1987 ص214
(4)- احمد توفيق “صلحاء وسلاطين”، مقال من تاريخ المغرب ص 415
(5)- حسن جلاب، جهود علماء العلوية في خدمة المجتمع والمحافطة على كيانه، مجلة دعوة الحق، الصادرة عن وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية،العدد 375،السنة2003، ص 151-152
(6)- مقتطف من خطاب العرش 7 يوليوز 2003
(7)- الراحل الحسن الثاني، عبقرية الاعتدال ” الاسلام في مواجهة تحديات العصر ،حوارات مع اريك لوران بدون تاريخ وبدون ﺫكر اسم دار النشر ص 51
(8)- الراحل الحسن الثاني، نفس المرجع السابق، ص 37-38
(9)- أحمد الازمي، التسامح والانفتاح والحوار كأبعاد أساسية في فكر الحسن الثاني الديني، مجلة دعوة الحق، العدد 378، السنة 2004 ،ص 52-53
(10) -REMY LEVEAU ,Islam et contrôle politique au Maroc In Islam et politique au Maghreb.CNRS.paris1981.p/272
(11)- الراحل الحسن الثاني ،نفس المرجع السابق ،ص 64
(12)- خطاب للعرش بتاريخ 27 دجنبر 1983 ،انبعاث الامة ،ج 2،ص 359
(13)- الراحل الحسن الثاني في حديثه مع لوفيغارو وماكازين في 25 فبرايل 1984 ابعاث الامة، ج29،ص 120
المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية