بقلم: هيثم شلبي
على الرغم من اجتهاد النظام العسكري في الجزائر في اختراع ألاعيب وأساليب يوميا للتغطية على مشاكل اقتصاد البلاد الهيكلية، وذلك عبر أدوات الحكومة والإعلام الدعائي، فإن عظم حجم المشاكل التي يعاني منها هذا الاقتصاد، والمرشحة للتفاقم الكارثي دون أي أمل في الحل، يحكم مسبقا على محاولات التذاكي اللفظي والمحاسباتي بالفشل، وبقرب انكشافها التام أمام الرأي العام المحلي والدولي. ولعل ما يفاقم مشكلة الاقتصاد الجزائري، الذي يعاني من الازدياد المضطرد لحجم مشاكله الهيكلية المستعصية، هو إصرار السلطات الجزائرية على اعتماد سياسة شراء الوقت، والهرب من أي محاولة إصلاح هيكلي حقيقية، تبدأ حتما بالاعتراف بفشل سياساتها الدعائية السابقة منذ قدوم سلطات “الجزائر الجديدة” برئاسة الثنائي “شنقريحة/ تبون” عام 2019.
إن استمرار الصمت الرسمي تجاه الإجابة على سؤال: كيف نجحت الحكومة في تغطية عجز الموازنة عام 2025، البالغ 62 مليار دولار من أصل 128 مليارا هي مجمل الموازنة؟ وكيف ستخفض هذا العجز إلى حدود 40 مليار دولار من أصل 135 مليارا هي مجمل موازنة 2026؟ وبأي أدوات؟ نقول، أن الصمت تجاه الإجابة على هذه الأسئلة (الاستدانة الداخلية وطبع العملة وتجميد المشاريع الاستثمارية)، التي تحدد إلى حد بعيد مستقبل الاقتصاد الجزائري، ومعه النظام الجزائري، لن يمنع المتابعين والمراقبين من الحصول على إجابات، أو لنقل تقديرات واقعية على أقل تقدير، وهي تفعل ذلك على كل حال، بسبب الشك المريع الذي يطال جميع الإحصائيات والأرقام التي تقولها الحكومة، لاسيما إذا جاءت على لسان الرئيس تبون!! فما هي الملامح الأولية للاقتصاد الجزائري لعام 2026، وما هي أبرز تأثيراتها، وتحديدا على العملة الجزائرية والمعيشة اليومية للمواطنين؟ وعليه، ما هي مصداقية الدعاية الجزائرية التي تصرّ على وضع بلادها في المركز الثالث ضمن أقوى اقتصادات القارة اعتمادا على حجم الناتج الداخلي الخام؟
سنكتفي هنا باستعراض أبسط الأرقام التي تدلل على واقع الاقتصاد الجزائري، دون المساهمة في تعقيد المشهد بأرقام متضاربة ومعقدة، يعتمد عليها عادة “خبراء” النظام، من أجل تغليط الرأي العام ورسم صورة مزيفة للاقتصاد الجزائري. تقول الأرقام أن صادرات الجزائر في تدهور كما وقيمة (52.4 مليار دولار عام 2023، و 49.3 مليارا عام 2024، ثم قرابة 46 مليارا للعام الحالي، تنخفض إلى ما دون 40 مليارا عام 2026). في المقابل، سيستمر نمو الواردات التي تستنزف رصيد البلاد من العملة الصعبة (من 39.9 مليار دولار عام 2023، إلى 47.4 مليارا عام 2024، وصولا إلى قرابة 61.9 مليارا عام 2025، مع تقديرات بتجاوزها حاجز 65 مليارا العام المقبل). ماذا يعني ذلك؟ يعني ببساطة أن رصيد البنك المركزي من العملة الصعبة سينخفض بأزيد من 25 مليار دولار دفعة واحدة (من أصل قرابة 60 مليار الموجودة حاليا)، الأمر الذي سيوصله إلى النقطة الحرجة (أقل من 6 أشهر من الواردات) التي تفتح مستقبل اقتصاد البلاد على المجهول حرفيا، وتضعه أمام خيارات “أحلاها مرّ”!!
والآن، ما هي الانعكاسات المباشرة لهذا الوضع بالنسبة للمواطن الجزائري؟ يمكن تحديد أثرين هامين: انخفاض قيمة الدينار إلى مستويات درامية، مما يرفع التضخم إلى مستويات غير مسبوقة؛ ومن ثم هروب المستثمرين وزيادة البطالة وتدهور مستوى معيشة المواطنين على المستويات كافة. كيف ذلك؟ إن حجب دولارات البنك المركزي عن البنوك والخواص، وقصرها على واردات الحكومة الأساسية (المواد الغذائية تحديدا)، وبعض الواردات الاخرى التي تحتاجها الحكومة في مشاريعها التجهيزية والاستثمارية، سيعني أن السوق الموازي “السكوار” قد أصبح رسميا بمثابة بنك مركزي موازي، يمول المستثمرين بالدولارات التي يحتاجونها لجلب مدخلات الإنتاج (المواد الخام والمعدات)، وهو ما يرفع قيمة منتجاتها النهائية إلى مستويات قياسية، بطريقة لا تترك لهم أي هامش ربح. وهكذا سيشهد عام 2026 إقفالا متزايد للشركات والمؤسسات الصغرى والمتوسطة، وتزايدا واضحا للبطالة، بسبب عدم قدرة هذه المؤسسات على الاستمرار. من جهة أخرى، سيقضى هذا الواقع على فرص جلب الاستثمار الأجنبي، الذي يجلب الدولار بسعر 135 دينارا، ويصبح مجبرا على تحويله للخارج(من السوق السوداء) بقيمة 270 دينارا! وهو واقع لا يمكن أن يشجع أي مستثمر كيفما كان نوعه. هذا الأمر سيقلص المداخيل الجبائية ويزيد من البطالة، ناهيك عن تأثيرات سلبية أخرى. ولأن الواقع دائم الحركة والتغير، وأمام الآفاق السوداء للاقتصاد الجزائري خلال العام الحالي، يعتقد الكثير من المحللين بأن تدهور قيمة الدينار أكثر ليصل إلى 400 دينار للأورو و 350 دينارا للدولار ما هي إلا مسألة وقت، وستتحول إلى واقع درامي مرشح لمزيد من التدهور التاريخي بسبب افتقار البنك المركزي للعملة الصعبة، وإحجامه عن ضخها للحفاظ على تماسك الدينار.
في ظل هذا الواقع، كيف يمكن للدعاية الجزائرية أن تقنع المواطن الجزائري، والرأي العام خارج الجزائر بأنها تملك ثالث أقوى اقتصاد في القارة السمراء؟ لنحاول تفكيك هذه الكذبة. هناك أسباب كثيرة أدت إلى “نفخ” أرقام الناتج الداخلي الخام إلى مستويات تتجاوز 266 مليار دولار، وبزيادة أكثر من 100 مليار دولار في عام واحد، بعد أن قامت بالتلاعب بسنة الأساس لحساب هذا الناتج (لا داعي للخوض في تفاصيل هذه المسألة التقنية)، وكذا اعتماد سعر الصرف الرسمي للدولار أساسا لترجمة أرقام الناتج الخام المقدرة بالدينار. إن اعتماد سعر الصرف الرسمي لا يعدو كونه “فذلكة” وتدليس محاسباتي حكومي، يحاول التغطية على واقع الاقتصاد الحقيقي، برغم اعتماده من قبل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي الذي لا يمكنه شرعنة أسعار السوق السوداء، على الرغم من أنها أكبر من سوق العملات الرسمية، وتؤدي مهام أكبر للاقتصادات الوطنية. وهكذا، وإذا أردنا تقديرا دقيقا لقوة اقتصادات الدول الأفريقية، فلا بد من البناء على قيمة ناتجها الخام محتسبا بسعر الدولار في السوق السوداء، وهكذا سنجد أن الدول التي نجحت في تقليص الفجوة بين سعر الدولار الرسمي والموازي (جنوب أفريقيا، المغرب، وبشكل أقل مصر وكينيا وساحل العاج) هي التي ستخرج بتقديرات إيجابية، بينما يتراجع ترتيب الدول التي يوجد لديها فجوة سعرية بطريقة تتناسب طرديا مع قيمة الفارق بين السعرين الرسمي والموازي لعملتها الوطنية، وهو ما يطال نيجيريا والجزائر وإثيوبيا أنغولا، وبدرجة أقل تنزانيا). بناء عليه، وبناء على السعر الموازي للعملة الوطنية، سنجد أن ترتيب اقتصادات الدول الأفريقية بناء على ناتجها الداخلي الخام المعلن عام 2024، سينقلب دراميا ويصبح على الشكل التالي:
- جنوب أفريقيا: 370-400 مليار دولار
- مصر: 250-300 مليار دولار
- المغرب: 140-150 مليار دولار
- نيجيريا: 100-150 مليار دولار
- كينيا: 100-120 مليار دولار
- إثيوبيا: 90-100 مليار دولار
- الجزائر: 90-110 مليار دولار
- تنزانيا: 80-90 مليار دولار
- أنغولا: 60-70 مليار دولار
- ساحل العاج: 60- 70 مليار دولار
هذه المكانة التي تتناقض جذريا مع خطاب الإعلام الدعائي الجزائري، ستتكشف حقيقتها العام المقبل عندما “يتسع الفتق على الراتق” بخصوص الاقتصاد الجزائري، ويبدأ الدينار بالانهيار مدفوعا بتراجع حاد لأسعار النفط (إلى حدود 50 دولار)، الأمر الذي لن تنفع معه معونات تبون الاجتماعية ولا منحة بطالته التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وستبدأ الأرض بالاهتزاز بقوة تحت أقدام جنرالات الجزائر، مدنيين وعسكريين، وصولا إلى السقوط المدوي الذي ستتكشف على إثره جميع الحقائق، لكن بعد فوات الأوان للأسف!!
مشاهد 24 موقع مغربي إخباري شامل يهتم بأخبار المغرب الكبير