ورطة النظام الجزائري مع القرار الجديد حول الصحراء!

بقلم: هيثم شلبي

في أعقاب صدور قرار مجلس الأمن 2797 الذي يحصر البحث عن حل لهذا النزاع المفتعل في نطاق مقترح الحكم الذاتي المغربي، الذي يبقي هذه المنطقة -كما كانت على امتداد تاريخها- داخل نطاق السيادة المغربية، يتخبط إعلام النظام العسكري في الجارة الشرقية بشكل غير مسبوق، ما بين معتبر أن التغييرات التي طرأت على المسودة الأصلية للقرار بمثابة “نصر دبلوماسي جزائري”!!؛ وبين معترف على استحياء بتحقيق المغرب لنصر دبلوماسي راجع لتدخلات إسرائيل وفرنسا ودولة الإمارات!!؛ وبين محتفظ بخطاب ما قبل القرار بالإصرار على أنه لن يغير من واقع النزاع، أو “المواقف المبدئية” شيئا، وبالتالي فالجزائر وربيبتها ليستا معنيتان بدخول أي مفاوضات تقتصر على مبادرة الحكم الذاتي؛ وبين طرف رابع اكتفى بالبكاء والنحيب على الشرعية الدولية “المهدرة” على مذبح المصالح الغربية؛ مع وجود تنويعات على هذه الأصناف، التي يجمعها نقطة واحدة مشتركة: إنكار الواقع والتخبط التام حول سبل مواجهة هذا القرار أو التعامل معه.

الموقف الأولي المتسرع، والذي يجمع طيفا واسعا من المتحمسين، عبر عن نفسه بالكتفاء بتكرار ما قالوه على مدى ال 13 عاما الماضية، لتبرير رفضهم الجلوس إلى طاولة المفاوضات، ومخالفة التوصية التي تكررت طيلة هذه السنوات بضرورة البحث عن حل سياسي واقعي للنزاع. ويعتقد من أوعز بردود الأفعال هذه، أنه يمكن اتخاذ نفس موقف الامتناع عن حضور المفاوضات بحجة أن الجزائر ليست طرفا في النزاع، وأن البوليساريو لا يمكنها الجلوس للتفاوض في الوقت الذي لا يوجد الاستفتاء وخيار الانفصال من بين الموضوعات المطروحة للنقاش. هذا الموقف المتسرع، لا يمت للسياسة أو الدبلوماسية بصلة، حتى لو ورد على لسان وزير الخارجية عطاف، الذي يبدو أنه إما لا يحسن القراءة ليعرف ما ورد في نص القرار الجديد، أو أنه لا يمتلك الجرأة لنقل فهمه إلى الجنرال شنقريحة وزمرته، واطلاعهم على المتغيرات الدراماتيكية التي حملها القرار، والتي لا يمكن بحال مواجهتها بنفس طريقة الإنكار التقليدية، لمعرفته بالثمن الذي يمكن أن يترتب على غضب الجنرال القوي.

ومن المهم التأكيد هنا، على أن ورطة النظام الجزائري ومرتزقة البوليساريو هي ورطة غير مسبوقة على مدى السنوات الخمسين الماضية، التي هي عمر النزاع. فالصيغة التي وردت في القرار، كانت شديدة الوضوح، ولأول مرة منذ عقود، بأن الامتناع عن حضور الموائد المستديرة، والذي سيفهم بأنه عرقلة للحل السياسي الذي توافق عليه المجتمع الدولي، لن يمر دون تبعات وعواقب، ليس أقلها، السير بالمقترح المغربي دون الحاجة لوجود البوليساريو والجزائر على الطاولة، وإعادة تكييف مهمة المينورسو نفسها لتوافق الواقع الجديد!! بكلام أوضح، فإن امتناع الجزائر والبوليساريو عن الحضور لطاولة نقاش الحكم الذاتي حصريا، سيجعل الطرف الآخر الجالس إلى الطاولة هم أبناء المغرب من سكان الأقاليم الجنوبية، الذين يمثلون المنطقة بشكل حقيقي ومشروع، مع إشراف مباشر من الأمم المتحدة، لإضفاء الطابع الرسمي على نتائج هذه المحادثات. هذا الأمر إن حدث، سيكتب شهادة الوفاة الرسمية لمرتزقة البوليساريو، وسيضع النظام العسكري في الجزائر في موقع الخارج عن الشرعية الدولية، المعاند للجهود السلمية.

لكن في المقابل، فإن جلوس الجزائر إلى الطاولة ينهي حجتها السخيفة التي لا يصدقها أحد باستثناء وسائل إعلام النظام، من كونها ليست طرفا في النزاع، وبالتالي ينتهي أحد أهم أعمدة الدعاية الجزائرية في هذا الصدد، والذي أتاح لها تعطيل المسار السياسي منذ تقديم مقترح الحكم الذاتي قبل 18 عاما. أما البوليساريو، فقبولها -أو رضوخها- للجلوس إلى طاولة المفاوضات مع المغرب لنقاش مقترح الحكم الذاتي، ناهيك عن كونه ينسف جميع “عنترياتها” السابقة، فإنه يحولها من “ممثل” لمجموعة سكانية تطالب باستقلال إقليم معين، الأمر الذي أتاح لها دخول الاتحاد الأفريقي، إلى أحد المكونات الصحراوية التي تناقش السلطات المغربية في محتوى وصلاحيات الحكم الذاتي المقترح؛ وشتان ما بين المنزلتين.

وما يزيد ورطة النظام الجزائري هو انكشافه التام أمام القوى الدولية، ووقوفه عاريا من أي حليف يمكن أن يدافع عن موقفه الرافض لحيثيات القرار، أو على الأقل إبداء بعض التفهم تجاه الحجج التي يسوقها. فالتصويت على القرار أثبت للنظام قبل غيره، ما كان معروفا للقاصي والداني، حول استحالة استخدام روسيا والصين لحق النقض الفيتو، وبالتالي تجنيبهم الورطة الحالية، وهو المؤشر الذي لا يحتاج لتأكيد حول مدى الأهمية المفترضة “للجزائر المنتصرة الجديدة” بالنسبة لهذين البلدين، مقارنة بالمغرب الذي تتكرس علاقته الاستراتيجية معهما يوما بعد آخر.

والآن، المنطق يقول أن النظام الجزائري متخصص في لحس “مواقفه العنترية” بعيدا عن خرافة “النيف” واستقلالية القرار وغيرها من المهازل. وبالتالي، وأمام إدراكه لاستحالة قدرته على مواجهة القرار، سينزل عن شجرة الممانعة كما فعل في مواقف كثيرة، وسينصاع إلى الجلوس حول مائدة التفاوض، حتى ولو من أجل تخريبها، ولن يحتاج إلى أي جهد في إعادة توجيه إعلامه للترويج لرواية جديدة مناقضة تماما لما يقولونه الآن. فهذا نظام لم يعد في وجهه ذرة حياء، وبالتالي يمكن توقع أي شيء منه؛ وتحديدا الموقف ونقيضه!!

أما إذا اختار الجنرال شنقريحة وتابعه الرئيس تبون تقمص شخصية “شمشون”، واختيار “هدم المعبد” على رؤوس من فيه، عبر الانتصار لعنادهم الشخصي على حساب مصلحة النظام، فلن يكون أمامنا إلى أحد سيناريوهين: انقلاب عسكري من داخل النظام على الرجل القوي شنقريحة، سواء وفق سيناريو إزاحة الجنرال القايد صالح أو الجنرال العماري!! أو فتح مستقبل الجزائر كبلد، وليس فقط النظام، على المجهول، عبر محاولة الدخول في مغامرة عسكرية يعلم أي ضابط صف صغير في الجيش بأنه لا قبل للجزائر بكسبها! وبالتالي، فهم وإن امتلكوا اختيار بدئها، فلن يكون بمقدورهم تحديد شروط وتوقيت إنهائها!!

كخلاصة، فالنظام الجزائري في موقف لا يحسد عليه، وهو يجد نفسه مطالبا بأداء فواتير متراكمة منذ نصف قرن. ورغم إقرارنا بأنه من عدم الانصاف تحميلها كاملة للثنائي شنقريحة/ تبون، لكنها لحظة الحقيقة، وعلى “آخر” جنرالات الجزائر ورؤسائها أن يستمروا أوفياء لفلسفة النظام الذي يقودونه، وبالتالي الذهاب إلى الهاوية، أو تأجيل هذا المصير عبر اختيار الصلح مع المغرب وعكس المسار المعتمد منذ بداية هذا النزاع المفتعل، وهو ما لا نظن أن بإمكان الجنرال شنقريحة قبوله بأي حال. عموما، هي أيام حاسمة ليس في عمر النزاع حول مغربية الصحراء فحسب، بل بالأساس في عمر النظام “المجرم” الذي تسبب في هدر كل هذا الوقت والمال والجهد للمنطقة المغاربية برمتها، في نزاع عبثي عطل مصالح المنطقة وشعوبها دون أي مبرر.

اقرأ أيضا

الصحافي الجزائري سعد بوعقبة

في تصعيد قمعي.. النظام الجزائري يدين الصحافي بوعقبة بـ3 سنوات سجنا ويغلق قناة “رؤية” نهائيا

أصدرت محكمة بئر مراد رايس الابتدائية بالعاصمة الجزائرية حكمها، أمس الخميس، بإدانة الكاتب الصحافي سعد بوعقبة بثلاث سنوات سجناً موقوفة التنفيذ، بينما صدر حكم بالسجن سنة موقوفة التنفيذ على مدير قناة "رؤية"

غزة

غزة.. لقاء مرتقب بين ترامب ونتنياهو لبحث المرحلة التالية من الإتفاق

في اليوم الـ55 من بدء وقف إطلاق النار بغزة، تواصل إسرائيل خرق اتفاق إطلاق النار بشكل يومي منذ سريانه في العاشر من أكتوبر الماضي، علاوة على موجات التصعيد التي تشنها بذريعة تعرض جنودها لهجمات من مقاتلين فلسطينيين في رفح.

بعد ثلاثة أسابيع من إطلاق سراحه.. الأكاديمية الفرنسية تكرّم الكاتب بوعلام صنصال

متابعة بعد ثلاثة أسابيع من إطلاق سراحه من السجن في الجزائر حيث قضى نحو عام، …