هل يبدأ “الفرار الكبير” بعد زيارة دي مستورا للجزائر وتندوف؟!

بقلم: هيثم شلبي

كانت زيارة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ستافان دي مستورا للمنطقة، والتي شملت حتى الآن المغرب والجزائر وتندوف، فرصة للتأكد مما لا يحتاج إلى تأكيد: أن محطة نقاش الملف في مجلس الأمن بعد شهر من الآن ستكون غير مسبوقة، وستضع قيادتي الجزائر والبوليساريو في أزمة خانقة، لا يعلم إذا كانوا سينجون منها. إضافة إلى ما سبق، وانسجاما معه، أكدت الزيارة -لمن لا يزال في حاجة لتأكيد- إفلاس النظام الجزائري وتابعه عن التفاعل مع المتغيرات الدولية، لاسيما في ملف الصحراء المغربية، وهو الإفلاس الذي سيكتب الفصل الأخير في عمر النظام العسكري ومرتزقته.

وحتى لا يظن أحد أن ما قلناه آنفا هو “حكم قيمة” شخصي، غير ذي صلة بالواقع، نحيله على التصريحات الصادرة عن كلا الطرفين (الخارجية الجزائرية وقيادة البوليساريو) والتي في حقيقتها تصريحات واحدة، تصدر في الجزائر العاصمة أولا، قبل ان يتم استنساخها، وأحيانا كثيرة بالنقطة والفاصلة، في تندوف!! فالمصطلحات التي تضمنها البلاغان الصحفيان الصادران في أعقاب لقائي المبعوث الاممي دي مستورا مع وزير الخارجية أحمد عطاف، ورأس البوليساريو إبراهيم غالي، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك في أن من صاغ البلاغين “استنسخ” بلاغات بداية التسعينيات من القرن الماضي، دون النظر إلى أي مستجدات شهدها الملف خلال الثلاثين عاما الماضية!

فبلاغ الخارجية الجزائرية، الذي -على غير عادة البلاغات التي تتلو محادثات طرفين- لم يتطرق بكلمة واحدة إلى ما أتى به المبعوث الأممي دي مستورا، أعاد استخدام عبارات من قبيل “تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية، آخر مستعمرات القارة الأفريقية”؛ “حقوق الشعب الصحراوي غير القابلة للتصرف أو التقادم في تقرير المصير”، مع تذييله بديباجة حول دعم المفاوضات بين “طرفي” النزاع، على اعتبار أن الجزائر ليست طرفا! وذلك “وفق القانون الدولي ومبادئ الأمم المتحدة في حماية حقوق الشعوب”!! مع تجاهل متعمد طبعا لقرارات مجلس الأمن، الهيئة الأعلى في المنظمة الدولية، لأنه ليس هناك ما يسر الجزائر في هذه القرارات، منذ عقدين من الزمن على الأقل.

نفس العبارات والمعاني وردت في بلاغ قيادة البوليساريو، التي أغفلت بدورها الإشارة إلى ما حمله إليها المبعوث الأممي، واكتفت بترديد عبارة حق تقرير المصير كما وردت نصا في بلاغ الخارجية الجزائرية، مع إضافة ما اعتبرته خلاصة موقفها “الرافض لأي حل أممي لا يقوم على الاستفتاء”، دون أن تنتبه بدورها إلى أن هذه الكلمة (الاستفتاء) لم تذكر في أي قرار لمجلس الأمن منذ قرابة عشرين عاما، لدرجة نسي وجودها الأعضاء الدائمون، والأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثيه!! لكن ما بدا لافتا في البلاغ، إشارته إلى عقد قيادة البوليساريو اجتماعا طارئا الاثنين، لبحث ما حمله دي مستورا، والذي نعته البلاغ “بالمستجدات”، مع إضافة بند تحديد موعد المؤتمر العام ال 17، وغالبا ما سيكون في موعد لاحق لموعد جلسة مجلس الأمن الحاسمة نهاية أكتوبر المقبل.

هذا القفز فوق حقيقة تقلص خارطة الداعمين لمنطق النظام الجزائري ومرتزقته إلى حدود 28 دولة (من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة)، منها قرابة 18 تحتفظ بعلاقات دافئة وودية مع المغرب، في انتظار السياق المناسب داخليا لسحب هذا الاعتراف بشكل رسمي على غرار باقي دول العالم؛ وحقيقة أنه ليس هناك دولة وازنة واحدة من بين جميع داعمي البوليساريو باستثناء جنوب أفريقيا (المكسيك دولة تحاول الموازنة في علاقاتها بين المغرب والجزائر)؛ هذا القفز لن يفيد في تغيير الواقع السابق، مع اليقين بعدم القدرة على وقف مسار تصحيح الخطأ المتمثل في نيل “جمهورية تندوف” عضوية الاتحاد الأفريقي”، إذ أصبحت لحظة طرد البوليساريو من المحفل الأفريقي أقرب من أي وقت مضى.  وفي نفس السياق، فإن ما وصل القيادة الجزائرية من مستشار الرئيس ترامب مسعد بولس، ومن مبعوث الأمين العام دي مستورا، وتسبب في عقد اجتماع لمجلس الأمن القومي في الجزائر، يحتم على هذه الأخيرة مواجهة هذا الواقع بغير العبارات والمفردات الواردة في بيان خارجيتها الأخير، غير أنه، ونظرا إلى تاريخ وتركيبة هذا النظام، الذي جعل من العداء للمغرب سياسته وعقيدته، فإنه من المستبعد إقدامه على تصحيح خطاياه في حق جيران الدم والكفاح، مما يجعله “عاريا” في مواجهة أسئلة الشعب الجزائري التي تتمحور حول سؤال كبير واحد: ما الذي جنيناه بعد نصف قرن من قطع الأرحام وصرف الخيرات ونهب الثروات في العمولات والسمسرة؟! وما المصير العادل للنظام الذي يتحمل وزر هذه الجريمة؟!

ولا نملك هنا سوى أن نربط بعض الحوادث التي قد تبدو غير مترابطة، وإن كانت تشترك في كونها إرهاصات بدنو “ساعة الحقيقة”. فالأخبار التي تتحدث عن دخول مصطفى سيد البشير، شقيق مؤسس البوليساريو وأحد قيادييها المعارضين لابراهيم غالي إلى غرفة العناية المركزة إثر محاولة اغتيال في الجزائر؛ والأخبار المماثلة عن هروب الجنرال عبد القادر حداد (ناصر الجن) إلى إسبانيا؛ وقبلها ما دار حول “اختفاء” الرئيس تبون من تسريبات وأنباء تتحدث عن تعرضه لمحاولة اغتيال، كلها تؤشر على وجود إحساس عام لدى أركان النظام الجزائري ووكلائهم في البوليساريو، بأن ساعة “القفز من القارب” قد حانت، وأن النظام يعيش أيامه الأخيرة. هذا الإحساس العام يدفع النشطاء المعارضين داخل وخارج الجزائر إلى تجديد الدعوات للنزول إلى الشارع بشكل شهري خلال الفترة الأخيرة، معتبرين أنها اللحظة التي لا يملك النظام وعسكره سوى خيارين: الاستسلام والفرار، أو القمع الوحشي الذي سيؤجج شرارة الاحتجاج ويسرع من النهاية المحتومة للنظام.

كخلاصة، فإن ما بين النظام الجزائري وبين اجتماع مجلس الأمن قرابة شهر واحد، ثلاثون يوما لا غير، وهي فترة وإن كان منطقيا أنها لن تسمح بإحداث أي تغيير في مواقف النظام العسكري من النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء، فإنها تكفي حتما للقفز من القارب، وطلب اللجوء في أحد الدول التي لا توجد بينها وبين الجزائر اتفاقية تسليم مجرمين، من أجل قضاء ما تبقى لهم من أيام يرفلون في نعيم الثروات التي نهبوها من الشعب المقهور. عموما، فالفترة ليست طويلة على أي حال، ومن الممتع متابعة كيف سيدير الإعلام الدعائي للنظام هذه المحطة الحاسمة!!

اقرأ أيضا

الصحافي الفرنسي كريستوف غليز

لإنقاذه من 7 سنوات بسحن الجزائر.. عائلة الصحافي الفرنسي غليز تنسق مع منظمات دولية

أعرب أقرباء الصحافي الرياضي الفرنسي كريستوف غليز، أمس الخميس، عن أملهم في أن يصدر الرئيس الجزائري عفوا عنه بعد تأكيد محكمة استئناف حكم السجن سبع سنوات الصادر بحقه، فيما وعد قصر الإليزيه بمواصلة “العمل” حتى إطلاق سراحه.

Douzi

الدوزي يشوق الجمهور لعمله الجديد

يستعد الفنان المغربي عبد الحفيظ الدوزي، خلال الأيام القادمة، لطرح أغنية جديدة، وفق ما كشف …

السلطات البريطانية تفرج عن 91 سجيناً بالخطأ!

تواجه الحكومة البريطانية ضغوطاً متزايدة بعد إطلاق سراح أكثر من 90 سجيناً عن طريق الخطأ، …