تخبط النظام الجزائري أمام “صاعقة” الاعتراف البريطاني بمغربية الصحراء!!

بقلم: هيثم شلبي

دقائق فقط بعد البيان المشترك لوزيري خارجية المغرب (ناصر بوريطة) وبريطانيا (ديقيد لامي)، خرجت وزارة الخارجية الجزائرية ببيان لم يجتهد كاتبه -أو كاتبوه- في التغطية على حالة “الصدمة” التي وجد فيها النظام الجزائري نفسه، بعد انضمام بريطانيا العظمى، الدولة دائمة العضوية في مجلس الأمن، إلى ركب المؤيدين لمقترح الحكم الذاتي للأقاليم الصحراوية تحت السيادة المغربية.

وقد بدا واضحا أن بيان الخارجية الجزائرية، حاول استخدام عبارات مخففة للرد على الموقف البريطاني، بطريقة تختلف عن موقفها من السابقتين الفرنسية والإسبانية، والذي استخدمت فيه عبارات تصعيدية هجومية خلا منها الموقف من بريطانيا، بطريقة تجعل الرد أشبه بما اتخذته في أعقاب الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، بالرغم من أن جميع المواقف السيادية السابقة تعبر بوضوح عن الشيء نفسه: الاعتراف بمغربية الصحراء، وحجية مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية لإقفال هذا الملف، مرة وللأبد.

هذا التناقض بين الرغبة في التعبير عن رفض الموقف البريطاني، دون الوصول إلى تصعيد جديد يوتر علاقتها مع دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن، جعل بيان الخارجية الجزائرية يحمل تناقضات لا مجال لدحضها. فالبيان الذي بدأ بالإعراب عن أسف الجزائر لقيام المملكة المتحدة بدعم مخطط الحكم الذاتي المغربي، أكمل “بكذبة” أولى تمثلت في الادعاء بأن “هذا المقترح، وطوال الثمانية عشر سنة التي أعقبت تقديمه، لم يتم عرضه على الصحراويين كأساس للتفاوض”، وهو ما تثبت الوقائع زيفه، مع إصرار المغرب منذ عام 2007 (سنة تقديم المقترح) على كونه الأساس الوحيد الذي يمكن أن ينهي النزاع المفتعل، مع رفضها بنفس الإصرار جميع البدائل الخيالية المتمثلة في الاستفتاء حول مصير الإقليم او تقسيمه بين المغرب والبوليساريو؛ ليردف البيان بكذبة ثانية مفادها أنه “لم يتم التعاطي معه (أي مقترح الحكم الذاتي) يوما على محمل الجد من قبل مبعوثي الأمم المتحدة الذين تداولوا على هذا المنصب”، وهي كذبة أكبر من سابقتها، على اعتبار أن جميع قرارات مجلس الأمن خلال العقدين الماضيين لم تتضمن أي مقترح آخر، وهو الأمر “الملزم” لجميع ممثلي الأمين العام الذين تتابعوا على الملف، كونهم لا يستطيعون الخروج، قيد أنملة، عن تفويض مجلس الأمن كإطار لمهامهم!

أما الكذبة الأكبر، والتي حولت الخارجية الجزائرية، ومعها النظام برمته إلى “مسخرة” لكل متابعيها، داخل وخارج الجزائر، فتمثلت في المحاولة البائسة لتبرير عدم تصعيدها تجاه الموقف البريطاني، عندما أشار بيانها إلى أن الجزائر تسجل بأن “المملكة المتحدة لم تتطرق للسيادة المغربية المزعومة على الصحراء الغربية ولم تُقدّم أي دعم لها، وهي بذلك لا تُزكي الاحتلال غير الشرعي لهذا الإقليم المُصنف كـإقليم غير متمتع بالحكم الذاتي، وفقا للشرعية الدولية”!! وهنا نحن أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن الخارجية الجزائرية لا تملك أي موظف يحسن اللغة الإنجليزية، وبالتالي لم تفهم العبارات الواردة في البيان المغربي البريطاني المشترك، أو أنها لا تستطيع التمييز بين دلالات البيان الواقعية، ورغباتها الذاتية الحالمة! ولتوضيح هذه النقطة بالذات، من المفيد إيراد النص الإنجليزي الوارد في موقع وزارة الخارجية البريطانية، وترجمته الحرفية. يقول البيان: ” The UK welcomed Morocco’s willingness to engage in good faith with all relevant parties, to expand on details of what autonomy within the Moroccan State could entail for the region” وهو ما يمكن ترجمته حرفيا بالعبارة التالية: “رحبت المملكة المتحدة باستعداد المغرب للتعامل بحسن نية مع جميع الأطراف المعنية، لتوسيع نطاق التفاصيل المتعلقة بما قد ينطوي عليه الحكم الذاتي داخل الدولة المغربية بالنسبة للمنطقة”، وهنا نضع عدة خطوط تحت عبارة “داخل الدولة المغربية”؛ وعليه، نتساءل: إذا لم تكن هذه العبارة ترحيبا واعترافا بالحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، فماذا يمكن لعبارة داخل الدولة المغربية أن تعني!!!

إن القراءة المتأنية لمجمل البيان المغربي البريطاني المشترك، يوضح الموقف الجديد لبريطانيا مع النزاع المفتعل بشكل لا يمكن أن “يتناطح حوله عنزان”، كما يقال في اللغة العربية. حيث نص البيان بوضوح في فقرة منفصلة، على أن “المملكة المتحدة تتفق مع المغرب على الحاجة الملحة لإيجاد حل لهذا النزاع المستمر، بما يصب في مصلحة الطرفين. وإن المملكة المتحدة، إذ تشجع الأطراف المعنية على المشاركة بشكل عاجل وإيجابي في العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، تعتبر أن اقتراح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب في عام 2007 هو الأساس الأكثر مصداقية وقابلية للتطبيق وعملية للتوصل إلى حل دائم للنزاع”. فما هو برأي “جهابذة” الخارجية الجزائرية الحل الذي يصب في مصلحة المغرب تحديدا (بعيدا عن الخوض في مصلحة بريطانيا)؟!!

ثم لنعد بالذاكرة قليلا إلى الوراء، ونتساءل: ما هي الفروقات الحقيقية بين الموقف البريطاني الذي يعتبر مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية (أو في إطار الدولة المغربية) الأساس الأكثر مصداقية للتوصل إلى حل للنزاع المفتعل حول الأقاليم الجنوبية المغربية، وما عبرت عنه فرنسا وإسبانيا قبلها ببضعة أشهر؟؟! ولماذا تمر العبارة مرور الكرام على الخارجية الجزائرية عندما تصدر عن بريطانيا، ولا تعتبرها مقبولة عندما تصدر عن فرنسا وإسبانيا وألمانيا وباقي الدول الكبرى في مختلف قارات العالم؟؟!

أما العبارة التي أشادت بها الخارجية الجزائرية والمتعلقة باحترام مبدأ تقرير المصير، فهي للتذكير قد وردت في سياق تسجيل التوافق بين المغرب وبريطانيا على “موقفهما الثابت بشأن احترام وحدة أراضي الدول وسيادتها، وعدم استخدام القوة لتسوية النزاعات، ودعمهما لمبدأ احترام تقرير المصير”؛ فلماذا تغفل أن المغرب يحمل نفس الموقف، وبالتالي كان لزاما على الخارجية الجزائرية أن تشيد به كذلك!! ولماذا مرت مرور الكرام على اتفاقهما على “احترام وحدة أراضي الدول وسيادتها”؟! أم أنها في نظر عباقرة الدبلوماسية الجزائرية، مجرد عبارة إنشائية تم حشرها بدون هدف أو معنى في البيان المشترك؟!

كخلاصة، يؤكد البيان الصادر عن الخارجية الجزائرية أن النظام العسكري برمته يعاني من “مرض نفسي” يحمل توصيفا علميا دقيقا: مرض إنكار الواقع! وأهم أعراضه الهروب من الاعتراف بالواقع كما هو، إلى آخر افتراضي متخيل، تنسجه وتعيش فيه وترتاح داخله، حتى لا تضطر لمواجهة الواقع الحقيقي بمشاكله وتعقيداته. لكن يبقى السؤال: إلى متى ستستمر رحلة هروب النظام الجزائري من واقع انتهاء ملف الصحراء، والاستعداد بالتالي إلى مواجهة التبعات الثقيلة لإقفال هذا الملف نهائيا على صعيد مجلس الأمن، وبالتالي انتهاء أسطوانة “تصفية الاستعمار” بشكل نهائي وحاسم، قبل أن يحتفل المغرب بالذكرى الخمسين لاسترجاع صحرائه عبر المسيرة الخضراء في نوفمبر المقبل؟! الأيام القليلة المقبلة وحدها من يحمل الإجابة.

اقرأ أيضا

الصحافي الفرنسي كريستوف غليز

بعد تأييد القضاء الجزائري الحكم بالسجن 7 سنوات.. عائلة الصحافي الفرنسي غليز في صدمة وتؤكد أنها ستواصل النضال

أصيبت عائلة الصحافي الرياضي الفرنسي كريستوف غليز بصدمة كبيرة، إثر إصدار محكمة الاستئناف في تيزي وزو بالجزائر، أمس الأربعاء، حكما يقضي بالسجن سبع سنوات نافذة عل ابنها، لتثبّت بذلك الحكم الابتدائي الصادر بحقه،

الصحافي الفرنسي كريستوف غليز

محكوم عليه في الجزائر بـ7 سننوات سجنا.. الصحافي الفرنسي غليز أمام محكمة الاستئناف

من المقرر أن يمثل الصحافي الفرنسي كريستوف غليز، اليوم الأربعاء، أمام محكمة الاستئناف بمدينة تيزي وزو، الواقعة نحو 100 كلم إلى شرق العاصمة الجزائرية،

الجزائر وإسبانيا

رغم تشبتها بموقفها من مغربية الصحراء.. زيارة محتملة لتبون لإسبانيا

يكثف النظام العسكري الحاكم في الجارة الشرقية، الذي يعيش عزلة في جواره ومحيطه الأفريقي وأزمة دبلوماسية مع فرنسا، خلال الآونة الأخيرة، جهوده للمصالحة مع إسبانيا،