بقلم: هيثم شلبي
لا يزال النظام الجزائري مصرا على معاندة الوحدة الترابية لجاره المغربي، ودعم الحركة الانفصالية الخاصة بجبهة البوليساريو، من خلال الإنفاق السخي على “مشروعها السياسي”، الذي يسميه النظام “حق تقرير المصير للشعب الصحراوي”، وتجهيزها بالأسلحة المتيسرة له، والتي هي نفسها التي خاض بها مرتزقة البوليساريو مناوشاتهم العسكرية مع المغرب ما بين 1975 و1990!! المهزلة، أن هذا النظام ورغم هذه الحقائق التي يعلمها القاصي والداني، يصر على أنه ليس طرفا في النزاع حول الصحراء المغربية، وأن ما يحركه هي “مبادئه في نصرة تحرر الشعوب المستعمرة”!!
تهافت الحجج الجزائرية لا يحتاج لجهد يذكر من أجل بيانه، وهدم المنطق الجزائري الأعوج. فإذا كان النظام يعبر عن مجرد دعمه لمبدا تقرير المصير، وأنه ليس طرفا في النزاع بين المغرب والبوليساريو، فكيف نفهم بناءه علاقاته الخارجية برمتها _كلما استطاع إلى ذلك سبيلا- بناء على اعتراف هذه الدول بمغربية الصحراء؟! وهو ما تجلى مؤخرا في سحب سفيره من فرنسا (وقبلها اسبانيا) لأنها اتخذت قرارا سياديا، يفترض أنه لا علاقة للجزائر به، تعبر من خلاله عن إيمانها بمغربية الصحراء، وتأييدها لاستمرار بقائه تحت السيادة المغربية. ما علاقة الجزائر، التي ليست طرفا في نزاع الصحراء، ولا تملك وصاية على مواقف الدول السيادية من هذا النزاع، بقرار دول العالم عدم مشاطرتها “موقفها المبدئي”، والتصرف بطريقة مغايرة، بل وتمتلك ما يكفي من وقاحة لاستدعاء السفراء الأوروبيين الذين عبرت بلادهم عن عدم اقتناعها بحيثيات حكم محكمة العدل الأوروبية الخاص بالصحراء، وبالتالي تجاهله؛ بل وتحذيرهم من الإقدام على هذا التجاهل!!
الأدهى، أنه ما أن أدركت الجزائر “احتراق” ورقة البوليساريو، وأن المغرب قد حسم ملف الصحراء على صعيد مجلس الامن وهيئات الأمم المتحدة (يمتلك من 2 إلى 3 فيتوهات لأي قرار يمكن أن يعاند وحدته الترابية داخل مجلس الأمن)، كما على صعيد المواقف الفردية التي تتوزع ما بين الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء، وبين دعم مطالب البوليساريو بتقرير المصير (يقتصر الاعتراف حاليا بالبوليساريو على 28 دولة من أصل 193، أكثر من نصف هذه الاعترافات مجمد عمليا)؛ نقول أنه مع إدراك الجزائر خسارة مشروع “جمهورية تندوف”، انتقلت إلى احتضان وافتعال جمهورية انفصالية جديدة هي “جمهورية الريف”، إمعانا في العداء للمغرب ووحدته الترابية.
لكن ما يهمنا في هذا المقال، ليس مجرد رصد السلوك العدائي الجزائري، بل صبر الدول العربية والإسلامية على هذه السلوكيات المخالفة لأبسط المواثيق المؤسسة للتجمعات الخاصة بهذه الدول: جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي. فعلى الرغم من الخلافات الحدودية العديدة بين جميع الدول العربية تقريبا، والتي ورثتها هذه الدول عن مستعمريها السابقين (مثل الخلاف على الصحراء الشرقية بين المغرب والجزائر، وخلافات الحدود بين الجزائر وكلا من ليبيا وتونس، والخلاف المصري السوداني على حلايب وشلاتين، ومثيلتها بين السعودية والإمارات، وهذه الأخيرة وعمان، وغيرها داخل بلاد الشام وغيرها)؛ نقول برغم كل هذه الخلافات، والتي كانت تبرد وتسخن حسب الظروف الإقليمية والدولية، فإن أيا من هذه الدول لم يحتضن حركة انفصالية تعمل على تفتيت البلد الجار، وتعادي وحدته الترابية. وضع مماثل نجده في دول منظمة التعاون الإسلامي، التي يفترض أنها تحتكم -ناهيك عن المواثيق الدولية- إلى منظومة قيم الدين الإسلامي السمحة التي تحرم الإساءة للجار، بالقول أو الفعل، فما بالك بالعمل على تقويض استقلاله وأمنه المجتمعي. لقد كان مفهوما -وإن كان مستنكرا- لو أن عداء النظام الجزائري اقتصر على تخفيض العلاقات الاقتصادية والسياسية، دون الوصول إلى محاولة تمزيق وحدته المجتمعية والترابية، وقطع تواصل الشعبين عبر إغلاق الحدود البرية بين البلدين الجارين، وهي بدورها سابقة عربية وإسلامية بالنظر إلى طول مدتها (أزيد من 30 عاما) التي تخرجها من سياق التدابير الطارئة التي يمكن أن تعتمدها دولة معينة لأسباب ظرفية ولفترة مؤقتة!!
وبالعودة إلى تساؤلنا الوارد في العنوان: ما الذي يجعل هذه المنظمات الإقليمية تتسامح تجاه السلوك الجزائري الشاذ، ولا تقف تجاهه موقفا حاسما، بتعليق عضوية الجزائر فيهما؟ حتى لا يصبح الموقف الجزائري العدائي سلوكا معتمدا بين الدول العربية والإسلامية في حال وقوع خلافات ثنائية، وما أكثرها!! تبدو الإجابة على هذا التساؤل متشعبة، بعضها يرجع إلى التركيبة والبناء المتهالك لهذه المنظومات، وطريقة العمل داخلها، والمبني على المجاملات للأنظمة وعدم الالتفات لمصالح الشعوب، ولا أدل على ذلك من عدد بنود بياناتها الختامية التي يجب أن تتضمن بندا خاصا بكل بلد حاضر إرضاء لرئيسه!! على الرغم من تيقنها من عدم قابلية أي بند للتطبيق. لكن، من جهة أخرى، قد يكون “التساهل” المغربي عاملا مساعدا، حيث يعتمد المغرب مقاربة “إذا خاطبهم السفهاء قالوا سلاما”، ويبتعد عن محاولة إحراج الدول العربية والإسلامية بدفعها لاتخاذ موقف صارم تجاه السابقة العدائية الجزائرية؛ مكتفيا بشبه الإجماع الذي يحظى به لصالح وحدته الترابية داخل هذه المنظمات الإقليمية (اللهم باستثناء الجزائر وسوريا عربيا، يضاف إليهم موزمبيق واوغندا إسلاميا (من أصل 22 دولة للأولى، و57 دولة للثانية). تساهل قد نشهد نهايته بعد أن تمادى النظام الجزائري بإظهار عدائه عبر دعم “جمهورية وهمية” أخرى!
ختاما، وفي عالم تسوده “السيولة” في مختلف قوانينه الناظمة لعمله، تحتاج الدول العربية والإسلامية، وإن تعذر تحقيقها أدنى طموحات مواطنيها العرب والمسلمين في الوحدة والتعاون، لأسباب ليس هنا مجال شرحها، أن تتوافق على ما لا يمكن قبوله أو التساهل تجاهه. بكلمات أوضح: إذا تعذر تعاون العرب والمسلمين، فلا يمكن أن نتساهل تجاه عمل دولة ما ضد وحدة دولة أخرى وأمنها المجتمعي، والذي لا يمكن أن يوضع إلا في خانة الأعمال العدائية! كما أنه وإن تعذر تفعيل معاهدات دفاع مشتركة بين الدول العربية والإسلامية، فلا أقل من “طرد” من يمارس أعمالا عدائية مكشوفة تجاه شقيق عربي أو مسلم، حتى نحافظ على حد أدنى من الانسجام في أعمال هذه المنظمات القارية المحدودة أصلا، ولا نكرس حالة الشلل فيها. فهل من “عاقل” داخل هذه الهيئات، يقف أمام “حمق” النظام العسكري الحاكم في الجزائر؟!