“المغرب وفرنسا يكتبان فصلاً جديداً في العلاقات التاريخية بمنطق جديد”. هذا ما خلُصت إليه قراءات عدد من المراقبين، ووسائل إعلام أجنبية. ويبدو أن هذه الخلاصة قد تكوّنت بعد أن وثّقت عدسات الكاميرات الاستقبال الكبير الذي خصصه الملك محمد السادس لـ”ضيف المغرب”، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وزخم الاتفاقيات الموقعة بقيمة 10 مليارات يورو، تشمل مجالات متعددة ذات أهمية استراتيجية لكلا الطرفين، إلى جانب مباحثات همت مجموعة من القطاعات.
وما أعطى لهذه الزيارة نكهة خاصة، تجديد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم الثلاثاء، من تحت قبة البرلمان المغربي، تأكيد موقف بلاده الداعم لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، بالقول إن “حاضر ومستقبل الصحراء لا يمكن أن يكون إلا تحت السيادة المغربية”.
وبالموازاة مع ذلك، نشرت وزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية على موقعها الرسمي، اليوم الثلاثاء، الخريطة الرسمية للمملكة المغربية تشمل صحراءها، وهي خطوة تحمل دلالات عديدة.
شراكة استثنائية
وحيال ذلك، قال أمين صوصي علوي، الباحث المتخصص في مجال البروباغندا التطبيقية، والمحلل السياسي، إن الإعلان الذي وقّعه الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، المتعلق بالشراكة الاستثنائية الوطيدة بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية، “يضع النقاط على الحروف، ويغلق الثغرات التي كانت في السابق بمثابة بؤر مزمنة”.
وأوضح صوصي علوي في تصريح لـ”مشاهد24″، أن منطق الندّية الذي يعتمده المغرب، أسفر عن توقيع عشرات الاتفاقيات الهامة؛ والتي ستؤطر العلاقات الثنائية في مجالات مختلفة: اقتصادية وثقافية وطاقية وتعليمية وغيرها.
ورأى الخبير أن حجم الاحتفاء بزيارة الرئيس الفرنسي إلى المغرب، يعكس حجم التغيير الجذري والتاريخي في العلاقات الثنائية بين البلدين.
واستطرد قائلا: “نحن أمام زلزال سياسي سيغير منطق العلاقات بين القارتين الأفريقية والأوروبية، بحيث أن المغرب تحوّل إلى قوة تفرض نفسها، وأوروبا تتعامل مع المغرب بندية؛ وهو أسلوب جديد يعكس مكانة البلاد”.
ومن خلال هذا التحول – يردف صوصي علوي – فإن المغرب يغير من منطق العلاقات الدولية، مستدركاً: “الحلول دائما ما كانت تأتي من دول الشمال، لكن بفضل الرؤية الملكية المتبصرة، الآن الحل قادم من المغرب أي من دول الجنوب”.
ووفق المتحدث، فإن السر يكمن في أن المغرب استطاع المزج بين الضغط الاقتصادي والسياسي ومصالحه الاستراتيجية، مبرزا أن المملكة أوجدت الأرضية المناسبة لهذا التغيير.
“القوة الذكية” في خدمة الوحدة الترابية
وفي سياق آخر، اعتبر الباحث المتخصص في مجال البروباغندا التطبيقية، والمحلل السياسي، أن المغرب استخدم استراتيجية فعّالة في تطويع القرار الدولي لصالح وحدته الترابية، والتي تسمى في المجال الجيوسياسي بـ”القوة الذكية”.
وأوضح صوصي علوي، أن المملكة استخدمت الأدوات الصلبة مثل ورقة الاقتصاد إلى جانب الضغط السياسي المباشر في الأزمات التي واجهته مع دول الشمال، مشيراً إلى أنه بالموازاة مع ذلك اشتغل المغرب على بناء الذات، وهو ما ما جعله يتقدم بأشواط كبيرة في مؤشرات السمعة وجل المجالات.
وشدد المتحدث، على أن المغرب طوّر أيضا قدراته في المجال الصناعي والفلاحي والتجاري والمالي، إلى جانب حقوق الإنسان واحترام القانون الدولي، مبرزا أن كل هذه العناصر جعلت من المغرب قوة إقليمية ودولية تحظى بالاحترام والتقدير.
وفي أقاليمه الجنوبية – يستطرد صوصي علوي – قدم المغرب نموذجا للإصلاح الحقوقي وحلاّ عمليا للأزمة المفتعلة يتمثل في مبادرة الحكم الذاتي، بالإضافة إلى تطوير المنطقة من شتى الجوانب اقتصاديا وتنمويا وصناعيا، وبالتالي حوّل النزاع إلى منطقة جذب استثماري. مبرزاً أن المغرب يعد أول دولة تحوّل الأزمة إلى منحة.
المغرب بوابة إفريقيا
ويعتقد صوصي علوي، أن فرنسا تعول على المغرب للعودة إلى إفريقيا، وذلك بعد أن أصبحت مهمتها شاقة. مبيناً أن المملكة لها أدواتها الخاصة، كما تحظى بمكانة هامة لدى الأفارقة، حيث ستساعد فرنسا بالعودة وفق منطق جديد قائم على التعاون والمصلحة والاحترام المتبادل والندّية.
وأبرز المتحدث، أن المملكة المغربية استطاعت أن تتحول إلى دولة قوية فرضت منطقها؛ وبالتالي ستقتدي بها دول أفريقية، خاصة في علاقتها مع فرنسا (المستعمر القديم).
خريطة المغرب
وفي سياق آخر، أكد صوصي علوي، أن نشر وزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية على موقعها الرسمي، اليوم الثلاثاء، الخريطة الرسمية للمملكة المغربية تشمل صحراءها، هو “اعتراف عملي وواقعي بمغربية الصحراء”.
وأضاف الباحث، أن تأكيد الرئيس الفرنسي موقف بلاده الداعم لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية أمام قبة البرلمان، سيغير الكثير. لافتاً أن باريس ستترجم هذا الموقف إلى إجراءات عملية من خلال دعم هذا الموقف في المحافل والمنصات الدولية.
وزاد قائلا: “بحسب قراءتي للأحداث الدولية، فقد توقعت قبل سنة في إحدى الخرجات الإعلامية أن تقوم فرنسا بالاعتراف بمغربية الصحراء ودعم مقترح الحكم الذاتي، وهو ما حصل بالفعل”. مشيراً إلى أن فرنسا ترى في المغرب “الحليف التاريخي الاستراتيجي الموثوق”.
ورأى أن إعلان وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، فتح قنصلية في الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية، سيجعل دول أخرى – تدور في محور فرنسا سواء في إفريقيا وآسيا وباقي القارات – تُغيّر من موقفها تجاه قضية الصحراء المغربية.
وأكد صوصي علوي، أن القرار الفرنسي يُغيّر من منطق الاتحاد الأوروبي، مستحضراً ما أكده السفير عمر هلال في وقت سابق بأن “ملف الصحراء قد طُوي”، وبالتالي فهي ليست مجرد شعارات، وإنما هناك عمل دؤوب يُنجز في صمت ورزانة.