بقلم: هيثم شلبي
كما يتكرر كل صيف، يتابع الجزائريون مسلسل حرائق الغابات التي تلتهم آلاف الهكتارات من غابات بلادهم، والذي يسقط على هامشه سنويا عشرات الضحايا، ويخسر الجزائريون محاصيل وثروات حيوانية، هي عماد حياة المواطنين في المناطق المنكوبة.
وبعيدا عن “نظريات المؤامرة” التي يحاول فيها مختلف الأطراف تفسير سبب اندلاع هذه الحرائق، ما بين اتهام أطراف في النظام الحاكم الجزائري للمغرب بالوقوف خلفها! أو اتهام فرحات مهني ونشطاء القبايل المخابرات الجزائرية، بإشعال هذه الحرائق بأوامر مباشرة من الجنرال جبار مهنا؛ سنذهب مع التفسير المنطقي الذي يرجع الظاهرة إلى أسبابها الطبيعية: التغير المناخي العالمي والارتفاع المهول في درجات الحرارة، وهو ما يسبب حرائق مماثلة في معظم دول حوض البحر المتوسط المشابهة للجزائر، كالمغرب واسبانيا وتونس وفرنسا واليونان وتركيا وغيرها.
بعيدا عن جدل الأسباب، فإن جدلا آخر يتجدد سنويا، يتعلق بنجاعة الخطط الحكومية لمواجهة هذا المسلسل السنوي، الذي ليس فيه عنصر مفاجأة واحد، لا من حيث التوقيت، ولا من حيث أماكن اشتعال النيران، ولا من حيث رقعة التهديد، ولا من حيث الطريقة المثلى لمواجهته.
فتكرار الحرائق سنويا، تجعل أي بلد في العالم يحسن الاستعداد المسبق، ويضع السيناريوهات المختلفة للتعامل مع تطورات الحرائق، ويقتني المعدات اللازمة لمواجهة هذه الكارثة التي تتكرر سنويا بصورة تكاد تكون متشابهة. لكن في الجزائر، فالثابت أمران: العجز عن مواجهة الحرائق، وبالتالي تجدد الخسائر المادية والبشرية، وثانيا الإعلان السنوي عن “خطط” لاقتناء طائرات إطفاء حريق، قبل الحديث عن إلغائها، وطلب أخرى؛ وانتهاء بالحديث عن تأجير بعض الطائرات “بسعر شرائها”!!
فبالنسبة للكوارث، سجلت حرائق عام 2021 ما يزيد عن 90 قتيلا، بينما تراجع العدد إلى 37 قتيلا في 2022، وهو نفس ما سجل تقريبا في العام 2023 (34 قتيلا)، في نفس الأماكن تقريبا (معظمها في منطقة القبايل)، ونتيجة نفس الأسباب: التأخر في التدخل لإخماد الحرائق، وعدم امتلاك الأدوات المناسبة للتعامل معها!!
أما بالنسبة للإعلانات المتكررة عن اقتناء الطائرات، والتي نطالعها بشكل دائم منذ موسم الحرائق عام 2020، فإن الواقع يقول أنه من أصل أربع طائرات روسية (بي-200) تم الحديث عن شرائها، لم يعلن سوى عن استلام واحدة فقط بسعة 12 ألف لتر، لتعلن الدولة الجزائرية فشلها رسميا في التعامل مع هذا الموضوع على مدى ثلاث سنوات (2020-2023)، وتكلف به شركة خاصة “طاسيلي”، التي تمكنت خلال بضعة أشهر فقط من شراء 5 طائرات أمريكية خفيفة، مخصصة أصلا لرش المبيدات (آ تي- 802) واستئجار 7 من نفس النوع، يستطيع كل منها حمل حوالي 3000 لتر من المياه، يمكنها التعامل مع الحرائق البسيطة فقط.
وحتى مساء الأحد، ووفق بلاغات السلطات الجزائرية المختصة، وعلى الرغم من “تطبيل” الإعلام لتجنيد الحكومة لقرابة 12 طائرة إطفاء الحريق، ومئات رجال الإطفاء بمعداتهم الأرضية، فقد تمكنت مصالح الحماية المدنية من إخماد حريق واحد فقط في ولاية بجاية، بينما لا تزال أربعة حرائق أخرى مستعرة.
أما في ولاية تيزي وزو، فتم إخماد حريقين مقابل استمرار النيران مشتعلة في أربع غابات. وفي جيجل لم يتمكن رجال الإطفاء من إخماد حريقين، وهو نفس الأمر في حريق غابوي في كل من سطيف وسوق أهراس.
وهكذا، وباتخاذ هذه الحرائق كعينة، ومن أصل 15 حريقا في خمس ولايات، لم ينجح رجال الإطفاء سوى في إخماد 3 حرائق (بنسبة 20%)، بينما لا تزال جهود مكافحة النيران مستمرة في 12 حريقا (ما نسبته 80%)، وهي نسبة تسائل بشدة، نجاعة إجراءات الحكومة الجزائرية تجاه التعامل مع هذه الأزمة السنوية.
أما السؤال الذي يقفز فوقه الإعلام الدعائي للنظام الجزائري فهو: كيف فشلت الحكومة الجزائرية، بما تملكه من مليارات النفط والغاز في شراء طائرات إطفاء الحريق (اشترت واحدة فقط خلال 5 سنوات)، فيما نجحت شركة خاصة في توفير 12 طائرة خلال أشهر (اشترت 5 واستأجرت 7)؟! ألا يضع ذلك عشرات الأسئلة المحرجة على سلطات “القوة الضاربة” تحت قيادة الرئيس “الملهم” عبد المجيد تبون، الذي حشر نفسه بين احتمالين لا ثالث لهما: إما أنه وحكومته عاجزين عن شراء طائرات من هذا النوع، وبالتالي التعامل مع المشكلة؛ أو أنه وحكومته لا يرغبون في شراء هذه الطائرات وتقديم هذا الحل، لأن المتضرر الأول من الأزمة هي منطقة القبايل “المتمردة”!!
وسواء اختار الإعلام الجزائري أيا من الاحتمالين، فإنهما يحملان نفس القدر من الإدانة للنظام، ويسائلان بشدة كفاءته وأمانته على أرواح وأموال المواطنين.
ولعل ما يزيد من غضب المواطنين الجزائريين على وسائل التواصل الاجتماعي، إدراكهم أن مليارات بلادهم التي فشلت في توفير بضع طائرات إطفاء محترفة، يتم إهدارها في تقديم منح لبنك البريكس، وتمويل تسليح البوليساريو، وتكديس الأسلحة السوفييتية والروسية في مخازن سلاح الجيش، رغم علمهم بأنها ليست مرشحة للاستخدام أبدا!
ختاما، فأزمة طائرات إطفاء الحريق التي لم تجد طريقها للحل على عهد الحكومات الجزائرية المتعاقبة، والتي يتبجح سنويا نظام الرئيس تبون في أنها في طريقها للحل، يظهران بما لا يدع مجالا للشك، مدى استهانة هذا النظام العسكري بأرواح الجزائريين، ومدى فشله في إدارة أزمة ببساطة اقتناء معدات إطفاء حريق على مدى خمس سنوات على الأقل، هي كامل ولاية الرئيس تبون، الذي يطلب من الجزائريين مع ذلك، التجديد له لخمس سنوات أخرى، علّه ينجح في شراء طائرات إطفاء الحريق المطلوبة، قبل نهاية عهدته الثانية في 2029!!