بقلم: هيثم شلبي
كما جرت العادة، يعقد مجلس الأمن جلسته نصف السنوية حول الصحراء المغربية، للاستماع إلى تقريرين من كل من مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة وممثله ستيفان دي مستورا، ورئيس بعثة المينورسو ألكسندر إيفانكو، حول متابعة تنفيذ قرار المجلس 2703 ، كل في مجال اختصاصه. وعليه، سيكون على دي مستورا الإجابة على السؤال الأهم: لماذا لم ينجح في عقد أي من الموائد المستديرة بحضور أطرافها الأربعة المعنية بالقضية؟ أما إيفانكو فيفترض أن يحيط مجلس الأمن بجميع الخروقات المسجلة لوقف إطلاق النار في المنطقة، لاسيما شرق وجنوب الجدار الأمني في المنطقة العازلة.
بالنسبة لإيفانكو فالمهمة تبدو سهلة، إذ لن يجد حرجا في تحديد المسؤول عن خروقات وقف إطلاق النار -على قلتها-، حيث يحظر أصلا تواجد عناصر عسكرية في المنطقة العازلة، ناهيك أن اعتداءات مرتزقة البوليساريو على مدينة السمارة فضحت الطبيعة الإرهابية للجبهة، واستسهالها استهداف المدنيين الآمنين، بعد ظهور عجزها عن مواجهة القوات العسكرية المغربية التي تفوقها عددا وعدة.
أما بالنسبة لدي مستورا، فإن السؤال الذي عليه أن يبذل جهدا كبيرا من أجل إعطاء إجابة مقنعة عليه، ينحصر في: لماذا لم يتم عقد أي مائدة مستديرة (الآلية التي حددها مجلس الأمن) للوصول إلى حل دائم، عملي، واقعي، ومبني على التوافق، بعد مرور ستة أشهر من تكليفه بهذه المهمة؟ والمعلوم أن دي مستورا اكتفى خلال الشهور الستة الماضية، بتنظيم زيارات إلى كل من الرباط والجزائر ونواكشوط ومخيمات تندوف، بل إن متسع الوقت الذي لديه جعله يطوف على الدول دائمة العضوية واسبانيا وغيرها، حتى وصل به الأمر إلى زيارة بريتوريا التي لا تربطها بالملف أدنى علاقة من قريب أو بعيد!! وهنا عليه أن يوضح بلغة واضحة لا تقبل التأويلات المتناقضة، حول ما إذا كان عدم قدرته على عقد هذه الموائد المستديرة، راجع إلى عدم انتهائه من ضبط الملف، أم إلى فيتو قوي من أحد الأطراف المعنية، وهو ما يوجب عليه تسمية هذا العضو -أو الأعضاء- وتوصيته بخصوص التعامل معه -أو معهم-.
وتبدو الإجابة على السؤال المركزي السابق واضحة من خلال تصريحات الأطراف نفسها. إذ وضد إرادة المجتمع الدولي، خرجت الجزائر بتصريحات متكررة على لسان أكثر من مسؤول لديها، تعبر فيها صراحة عن رفض المشاركة في الموائد المستديرة، على اعتبار أنها “ليست طرفا في الموضوع”!! وهو الأمر المناقض للواقع بشكل تام، حيث يعلم القاصي والداني من دول العالم أجمع، أن الطرفين الرئيسيين في الموضوع هما المغرب والجزائر، وأن البوليساريو ما هي إلا ميليشيا تابعة للمخابرات الجزائرية، ولا تمثل حتى المحتجزين لديها في مخيمات تندوف؛ أما موريتانيا، فتجد نفسها مقحمة في الملف بحكم الجغرافيا بالأساس، وبالتالي فوجودها حول الطاولة لا يسهل التوصل إلى حل ولا يعقّده.
إن الرفض الجزائري المعلن لحضور أي من الموائد المستديرة، والقرار الأممي الواضح بضرورة هذا الحضور، والشرط المغربي الأكيد بعدم جدوى المشاركة في غياب الطرف الجزائري، يضع هذه الآلية الأممية لحل النزاع المفتعل حول الصحراء في مأزق صعب، على مجلس الأمن، بناء على توصيات دي مستورا، أن يجد له حلا. إن الجزائر -وصنيعتها- وهي ترفض الحل الأممي المتمثل بالموائد المستديرة، مستنجدة بدبلوماسية جنوب أفريقيا الفاقدة للتأثير في الملف، بعد فشلها في تجنيد الاتحاد الأفريقي في هذا السياق، تحاول خلق مأزق للأمم المتحدة، وأن تعيد النقاش في القضية إلى المربع الأول، لتقول للمنتظم الدولي بوضوح: بما أنكم حذفتم خيار الاستفتاء من أجندتكم، فسأقوم بإفشال أي حل بديل ستقترحونه، ولتكن البداية مع خيار الحل التوافقي عبر الموائد المستديرة! لكن هل تملك الجزائر أن تفرض تصوراتها على مجلس الأمن؟!
الإجابة البديهية هي بالنفي طبعا. نفي يتعزز إذا أخذنا في ا لاعتبار أن روسيا والصين كعضوين دائمين في مجلس الأمن، واللتان لم تصوتا برفض أي قرار أممي بخصوص هذه القضية، مقتنعان مثل باقي الأعضاء الدائمين (الولايات المتحدة، بريطانيا وفرنسا) أن خيار الاستفتاء أدى غرضه بالمساعدة على وقف إطلاق النار، وأن تجربة تحديد هوية من يحق لهم المشاركة فيه، والتي عرقلتها الجزائر ومرتزقتها، أكدت للعالم بالملموس استحالة تنظيم استفتاء يمتلك الحد الأدنى من النزاهة والعدالة، وعليه، عملت الدول الخمس دائمة العضوية على إصدار قرار التمديد السنوي للمينورسو، دون أن يحمل أي من هذه القرارات، تصريحا أو تلميحا، أي إشارة إلى خيار الاستفتاء المقبور، وذلك منذ 2007! إن تجاهل السلطات الجزائرية لهذا الواقع، والمعزز بسحب معظم دول العالم لاعترافاتها بالبوليساريو، إلى الحد الذي قلص لائحة المعترفين إلى 28 دولة، منها 6 فقط يمكن اعتبارها نشطة في دعمها السياسي؛ مقابل تشكيل ما تبقى من الدول، طيفا واسعا من الدعم لمغربية الصحراء، أو مصداقية مقترح الحكم الذاتي لها تحت السيادة المغربية.
وهكذا، وعلى بعد قرابة الأسبوع من تقديم تقريره إلى مجلس الأمن، يجد دي مستورا نفسه بين خيارين صعبين: إما الالتزام باللغة الدبلوماسية المحايدة التي لا تقول شيئا، وبالتالي تجنب الإشارة إلى عرقلة الجزائر لآلية الموائد المستديرة، وبالتالي الظهور في مظهر المقصّر في أداء مهامه؛ أو استخدام لغة واضحة وصريحة، والإشارة مباشرة إلى الدور الجزائري المخرب، وترك الأمر لمجلس الأمن ليحدد آلية التعامل مع هذا النظام العسكري الذي يقف في وجه التوافق الأممي، ناهيك عن كونه يقدم الرعاية الواضحة للحركات الإرهابية ليس في تندوف وحسب، بل وفي جميع دول الساحل!!