يخلد الشعب المغربي ومعه أسرة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير، اليوم الأحد، الذكرى 77 للأحداث الدامية التي عاشتها مدينة الدار البيضاء يوم 7 أبريل 1947، والتي تؤرخ للمجزرة الرهيبة التي ارتكبتها سلطات الإقامة العامة للحماية الفرنسية في حق ساكنة مدينة الدار البيضاء للحيلولة دون قيام بطل التحرير والاستقلال المغفور له الملك محمد الخامس طيب الله ثراه، بزيارة الوحدة التاريخية إلى مدينة طنجة.
ففي مثل هذا اليوم من شهر أبريل 1947، أقدمت قوات الاحتلال الأجنبي على اقتراف مجزرة رهيبة في حق ساكنة الدار البيضاء للحيلولة دون قيام المغفور له الملك محمد الخامس رضوان الله عليه بزيارة الوحدة التاريخية لمدينة طنجة يوم 9 أبريل 1947، لما كانت تهدف إليه تلك الرحلة الميمونة من تأكيد مطالب المغرب المشروعة في نيل حريته واستقلاله وتحقيق وحدة ترابه الوطني.
وإن الذاكرة التاريخية الوطنية تختزن أحداثا مشهودة من أيام هذه المدينة المناضلة، المشهود لها بالغيرة الوطنية ونكران الذات والتضحيات الجسام التي بذلها أبناؤها في رياض العمل الوطني والمقاومة والتحرير، دفاعا عن المقدسات الدينية والثوابت الوطنية، وتحديا لسلطات وقوات الاحتلال الأجنبي أثناء مواجهات يوم 7 أبريل 1947، إذ تصدى البيضاويون بكل إيمان وشجاعة وإقدام لحملات التنكيل والتقتيل التي شنتها عليهم القوات الاستعمارية بدوافع انتقامية وعدوانية.
فقد اختلقت السلطات الاستعمارية أسبابا أوهن من بيت العنكبوت ليدفع فيليب بونيفاص، رئيس ناحية الدار البيضاء جنوده وزبانيته إلى ترويع وتقتيل المواطنين بكل من أحياء ابن مسيك وكراج علال ومديونة ودرب الكبير والأحياء المجاورة دون تمييز بين أطفال وشيوخ ونساء، فسقط المئات من المواطنين بين شهداء وجرحى ومعطوبين، واعتقل العديد من النشطاء الوطنيين والنقابيين والمناضلين وعموم المواطنين.
بيد أن بطل التحرير والاستقلال والمقاوم الأول، المغفور له الملك محمد الخامس طيب الله ثراه، تحدى قوات الاحتلال الغاشم، وأدرك أبعاد وأهداف المؤامرة الدنيئة التي أقدمت عليها سلطات الإقامة العامة للحماية الفرنسية، فتوجه إلى مدينة الدار البيضاء ليواسي عائلات الضحايا ثم ليتوجه بعد ذلك إلى مدينة طنجة للقيام بزيارته في موعدها المقرر، محبطا بذلك مناورات السلطات الاستعمارية.
كما ألقى خطابه التاريخي في 11 أبريل 1947 بطنجة، والذي أكد فيه للعالم أجمع إرادة الشعب المغربي وعزمه على المطالبة بحريته واستقلاله، معلنا أن المغرب متمسك بسيادته ووحدته وصون كيانه الوطني.
وقد كان من آثار أحداث يوم 7 أبريل 1947، الدعوة إلى تنفيذ إضراب عام بالمدن المغربية وتعبئة فعاليات المجتمع لتقديم العون والدعم للأسر المتضررة، وتعزيز المواقف المعادية للاحتلال وشجب مؤامراته التي أودت بحياة الأبرياء وروعت المواطنين، هذه الأحداث المؤلمة ساهمت في تأجيج الروح الوطنية وإذكاء مشاعر النضال لإنهاء الوجود الاستعماري وإصرار العرش والشعب على مواصلة الكفاح الوطني بكل استماتة وصمود.
وبقدر ما خلفت هذه الأحداث من مئات الضحايا من شهداء وجرحى ومعتقلين، بقدر ما ساهمت في تأجيج مشاعر الوطنية وإذكاء جذوة المقاومة ومناهضة الاحتلال الأجنبي، حيث اندلعت العمليات الفدائية والتي ستتصاعد جذوتها في 20 غشت 1953 على إثر إقدام الإقامة العامة على اقتراف جريمتها النكراء بنفي السلطان الشرعي وأسرته الشريفة خارج الوطن، حيث تكرس دور هذه الحاضرة المجاهدة كقاعدة للمقاومة وفضاء فسيح لتطورها وتوسيع دائرة انتشارها إلى أن عاد بطل التحرير والاستقلال إلى أرض الوطن حاملا معه بشرى نهاية عهد الحجر والحماية وبزوغ فجر الحرية والاستقلال.
واحتفاء بهذا الحدث الوطني، أعدت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير يوم الإثنين 8 أبريل 2024، برنامجا للأنشطة والفعاليات بولاية الدار البيضاء، يشتمل على وقفة ترحم على أرواح شهداء ملحمة الحرية والاستقلال والوحدة الترابية المقدسة وفي مقدمتهم المغفور له محمد الخامس ورفيقه في الكفاح والمنفى المغفور له الملك الحسن الثاني قدس الله روحيهما بساحة 7 أبريل.
كما سيتم بالمناسبة تنظيم مهرجان خطابي وتكريمي بمقر عمالة مقاطعات الفداء-مرس السلطان، تلقى خلاله كلمات لاستحضار دلالات ومعاني هذا الحدث التاريخي وما يجسده من قيم الوطنية والتضحية والبطولة، وكذا تكريم صفوة من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، وتوزيع إعانات مالية على عدد من أفراد هذه الأسرة المجاهدة الجديرة بكل رعاية وتشريف.