بقلم: هيثم شلبي
بعد أن نجحت إليزابيث بورن، الوزيرة الأولى الفرنسية السابقة في اعتماد القرارات غير الشعبية الأكثر إثارة للجدل والانقسام، وتنفيذ ما طلبه الرئيس إيمانويل ماكرون وتياره في السلطة، انتهى دورها وكان لزاما استبدالها بمن يرجى أن ينجح في مهمة أكثر صعوبة: ترميم صورة ماكرون ومن يمثلهم على المستوى الشعبي، والحد من خسائرهم المتوقعة على صعيد الانتخابات الأوروبية المنتظرة هذا الصيف، ناهيك عن الانتخابات الرئاسية المنتظرة في 2027. وبعيدا عن اللغط الذي أحاط اختيار ماكرون لرئيس وزراء شاب مثلي هو غابرييل أتال، وإسناد وزارة الخارجية إلى مثلي آخر هو ستيفان سيغورني، وكلاهما يشترك في علاقته “غير الودية” بالمغرب، قياسا على أزمة التأشيرات بالنسبة للأول، وأزمة البرلمان الأوروبي بالنسبة للثاني، فإن الواقع يقول بعدم وجود رابط بين تلك الحوادث السابقة وبين المتوقع من هؤلاء المسؤولين في مهامهم المستقبلية، لاسيما وأن مجال الخارجية الفرنسية، ومن ضمنها العلاقة مع المغرب، هو مجال محفوظ حصريا للرئيس الفرنسي ماكرون، وبالتالي فهو وحده المساءل عن نبرة العداء الواضحة في تصريحاته وسلوكياته تجاه المغرب، على لسان أي مسؤول فرنسي وردت!!
ومن المثير للرثاء، إضافة لمنطق من يتشاءمون تجاه مستقبل العلاقة الفرنسية المغربية قياسا على مواقف وتصريحات سابقة لأتال وسيغورني، منطق من يتفاءلون بوجود رشيدة داتي في موقع وزارة الثقافة، قياسا على أصول والدها المغربي، أو مواقفها المؤيدة لمغربية الصحراء، لنفس الأسباب الخاصة باحتكار الرئيس ماكرون مجال السياسة الخارجية، ومسؤوليته الحصرية عن تدهور العلاقات بين البلدين.
وهكذا، ومع الأجندة الداخلية التي تحكم برنامج الحكومة الفرنسية الجديدة، يستبعد أن تسعف مهارات وزير الخارجية الجديد، في تغيير الواقع المتدهور لفرنسا دوليا بشكل عام، وعلى صعيد القارة الأفريقية بشكل خاص، طالما لم يحدث تغيير جذري في قناعات وسلوك الرئيس ماكرون وتياره. ولعل ما يرجح تأكيدنا السابق، هو ما يعرف عن قرب وزير الخارجية الجديد من الرئيس الفرنسي، وأنه (ووزيره الأول أتال) مجرد ظل للرئيس ماكرون، وهو ما يعني استبعاد قدرته على فرض توجهات جديدة في السياسة الخارجية الفرنسية، باتخاذ قرارات جريئة تستجيب للواقع الجديد لفرنسا المتقهقرة.
أما إذا أردنا محاولة استشراف السياسة الخارجية لفرنسا في القارة الأفريقية عموما، ومع المغرب على وجه الخصوص، خلال ما تبقى من ولاية الرئيس ماكرون، وبغض النظر عن المكلف بوزارة الخارجية، فإنها لا يمكن أن تخرج عن واقع تجذر العقلية الاستعمارية للرئيس وتياره، والتي أفضت إلى تقهقر الوجود الفرنسي في منطقة الساحل، لصالح عدة دول، على رأسها المغرب! تقهقر سيتتبعه خروج ما تبقى من قوات فرنسية مجمعة في تشاد، وبعض القوات الهامشية في بعض دول أفريقيا. أما المعركة الأشرس، والأخيرة، فستكون نيل دول فرنك وسط أفريقيا وفرنك غرب أفريقيا ال 14 “استقلالها المالي والاقتصادي”، والانفكاك من النفوذ الفرنسي، حيث ستكتب شهادة وفاته رسميا في القارة السمراء بعد قرنين من النهب والتدمير.
وعليه، نعتقد بأن التغيير الحكومي الفرنسي الأخير، لا يعني المغاربة أو الأفارقة، بل ولا أي تغييرات مستقبلية خلال ما تبقى من ولاية الرئيس ماكرون، لأن الهاجس الأول الذي يحكمها هو الوقوف في وجه سحب اليمين المتطرف للبساط من تحت قدميه، بمزيد من المواقف الأكثر تطرفا تجاه المهاجرين تحديدا، وكذا مواجهة مرشحي اليمين (الجمهوريين) في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بعد الاطمئنان إلى محدودية حظوظ اليسار الفرنسي في نيل أغلبية برلمانية أو الفوز بمنصب الرئاسة. باختصار، هي معارك يمينية لا يوجد من بينها “وسط يمين” حقيقي، بل تيارات تزايد على بعضها في يمينيتها، شأنها شأن باقي الدول الأوروبية الأخرى، التي تستهدف المهاجرين وفكرة أوروبا الموحدة!
وأيا كانت نتيجة هذه الصراع اليميني الفرنسي، فإنها لن تنجح في إطالة أمد هيمنتها على مستعمراتها السابقة، لاسيما في القارة الأفريقية، التي بدأت تتلمس طريق استقلالها الحقيقي، بإلهام وقيادة المملكة المغربية الشريفة، وهو السبب الحقيقي لتأزم علاقة البلدين، واستبعاد فرص تحسنها قي المستقبل المنظور.