بقلم: طالع السعود الأطلسي
وفيٌّ لمشروعه التنموي والإصلاحي للوطن المغربي، العاهل المغربي الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، أعْلَى البعد الأفريقي لذلك المشروع، انطلاقا من تنمية الأقاليم الصحراوية المغربية.
المسيرة حقّقت استرجاع الأقاليم الجنوبية من الاستعمار الإسباني، وهي مستمرة في ضخِّ مُقومات الحياة الكريمة في تلك الأقاليم عبر المشاريع التنموية المتنوعة، المتعددة والمتواصلة. وكأنِّي بالملك محمد السادس يضغط على دوَّاسة السرعة لذلك المسار التنموي للتحول نوعيا إلى سرعة أعلى، وإلى العناية ببُعده الأفريقي.
العاهل المغربي حريص على شمولية نظره الإستراتيجي التنموي… ذكَّر بأهمية المجهودات التنموية في الضفة المتوسطة للمغرب وما تعِد به من تعاوُن مغربي أوروبي، ليخلُص إلى أهمية الساحل الأطلسي للمغرب في تطوير المنطقة وفي تغذية التعاون المغربي – الأفريقي وتنمية الإسهام المغربي في التطلعات التنموية الأفريقية، على قاعدة رابح – رابح وانتصارا للتوجه الملكي المعلن منذ سنوات، لنهج التفاعل جنوب – جنوب.
الخطاب الملكي تضمّن حُزمة توجُّهات في البعد الأفريقي للمسار التنموي المغربي، من قاعدة الأقاليم الجنوبية المغربية… وجَّه إلى الاهتمام بالبعد البحري على الواجهة الأطلسية للأقاليم الصحراوية، وفي صلته بالتعاون مع الجِيرة البحرية الأطلسية للمغرب.
ضمنيا يقول الملك محمد السادس، المغرب يتقوَّى ويستفيد وينجح في تنميته، حين يُشرك في ذلك أصدقاءه وأشقاءه في أفريقيا. على نفس المنوال أبرز العاهل المغربي البعد السياحي في التنمية، ولنا في النجاح السياحي الدولي خاصة لمدينة الداخلة مثالا فصيحا، ويمكن أن ينجح أكثر وأن يتطور أكثر حين يمتد إلى الساحل الأطلسي، ليفيد الأصدقاء وليستفيد من قُدراتهم التبادُلية في المستوى السياحي.
هنا نلمس، مرّة أخرى الحرص الملكي على البعد الأفريقي في المجهود التنموي الوطني عامة وخاصة منه المتصل بالأقاليم الصحراوية… لدينا منجزات ملموسة في السياحة، والداخلة مثالها الأبرز. ولدينا نجاحات وخبرات ملموسة في الصيد البحري، وهي واضحة في موانئ الأقاليم الجنوبية. والعاهل المغربي يدعو إلى الذهاب بتلك الخبرات، والنجاحات، والمنجزات إلى أفقها الأفريقي. وسيكون ميناء الداخلة النوعي والعملاق في الساحل الأطلسي – الأفريقي، سيكون مركزا ومحورا ومنصة ومُوَلِّدا في البعد الأفريقي للمسار التنموي المغربي، وبآثار ارتدادية هامة أفريقية.
النظر الشمولي لملك المغرب محمد السادس لم يقف عند ما تعد به طاقات الواجهة البحرية الأطلسية للأقاليم الصحراوية المغربية. اتّسع اهتمامه إلى منطقة الساحل والصحراء، ليقترح إسهاما تنمويا في حل معضلاتها، والتي لن تتغلب عليها الإجراءات الأمنية وحدها، عبر فتح ممرات لها إلى المحيط الأطلسي تستدعي مشاركة دولية، والتي عليها أن ترتقي من مجرد صلاتها العسكرية بالمنطقة، وتتدخل في تطوير بنياتها التحتية، خاصة منها الطرق، لكي تُشجِّع نهضة تنموية فيها، وبإمكان انفتاحها على المحيط الأطلسي أن ينشطها.
هنا الملك يصدُر عن انشغال العرش العلوي بالتنمية الأفريقية… لأنه عبّر مرارا عن صونه لهويته الأفريقية، ليس وحسب من منطلقات عاطفية وحنين تاريخي بل لتقدير موضوعي وعقلاني لقائد مغربي بحساسية أفريقية حادّة ومخلصة. إذ لأول مرة قائد دولة أفريقية يقدم مقترحا تنمويا لحل انسدادات معقدة في أوضاع منطقة الساحل والصحراء. وهو الذي كان يكفيه أن ينشغل بقضايا بلده غير المتصل مباشرة بتلك المنطقة الملتهبة. لكنه القائد الأفريقي الذي يعنيه أن يتدخل إيجابيا في محاولة الإسهام بخروج تلك المنطقة من صراع المقاربات الأمنية فيها. وهو قائد يُمَوْقِع المغربي، بلده، في الوضع الأفريقي. في أزماته وهشاشاته الحالية. وفي آفاقه التنموية الواعدة مستقبلا.
لم يكن العاهل المغربي ظفراويا في خطابه وهو يشير إلى نجاحات الدبلوماسية المغربية تحت قيادته في تأمين المكتسبات الوطنية الوحدوية للمغرب، أوردها باعتبارها تحقّقا طبيعيا لسِمة الجدية التي تسم السياسة المغربية، وهي تتضمن قيما منتجة من نوع التسامح والانفتاح. ومنها انْبثق المقترح الملكي بـ“الحكم الذاتي” لحل انحباس في منازعة في حق وطني مغربي… إنه التعوُّد المغربي على التدخل الإيجابي في حلِّ المعضلات والنفور من النفخ فيها وتعقيدها، وهو ما يرشَح اليوم من الخطاب الملكي… ملك متفائل ومتطلع إلى تواصل التنمية في الأقاليم الجنوبية ولكن في سياق وبعد أفريقي، ويؤكد بذلك ريادته الأفريقية عبر جدارة قيادته الوطنية.
بقي أن نقف عند ما لم يقله العاهل المغربي في خطابه… وصمت الملك محمد السادس في الموضوع أنتج كلاما بليغا. يقول، ليس لدينا انشغال غير تنمية الأقاليم الجنوبية المغربية، وإسهامها في المسار التنموي الوطني مع الحرص على تغذية البعد الأفريقي في كل هذا المسعى الحيوي.
ليس لدى المغرب، لدى العاهل المغربي، غير هذا الانشغال… مُشاغبات وترنُّحات وشعْننة قيادة الجزائر، عبر ميليشيات بوليساريو، في مدينة السمارة لا مكان لها في لوحة القيادة المغربية. هي تنطُّعات إرهابية، يتصدى لها المغرب بالتدخل القانوني المعتاد. القيادة السياسية للمغرب، كل المغرب، منشغلة بتعبيد مسالك الأمن والسِّلم لإنجاز التنمية المفيدة للمواطن المغربي والمساعدة على تنمية أفريقيا.