ماكرون وإفريقيا

الرئيس ماكرون للأفارقة: لن نغير سياساتنا الاستعمارية!!

بقلم: هيثم شلبي

لى إثر انقلاب الغابون، والذي يأتي قبل أن يتبين الأفارقة والعالم مصير انقلاب النيجر، يبدو السؤال الأكثر إلحاحا الآن في مختلف أرجاء القارة: من التالي؟ ومن هو الرئيس الذي سيجبر على التنحي، لاسيما مع وجود “وفرة” في الأسباب التي تدعو للانقلاب، وتجعل الناس يخرجون إلى الشوارع ترحيبا بالحكام الجدد، حتى قبل أن يتبينوا نواياهم وخلفياتهم. ويبدو توقع من عليه الدور في الانقلاب التالي صعبا، لاسيما في وجود قرابة اثني عشر رئيسا تجاوزوا في الحكم فترة المخلوع الغابوني “علي بونغو”. ورغم أن طول البقاء بالحكم “الديمقراطي” يعتبر واحدا من أبرز مبررات الانقلاب، إلا أنه لا يقتصر عليه، حيث أصبح القرب من فرنسا معيارا آخر يجعل الرئيس المعني يتحسس عنقه، ناهيك طبعا عن الأسباب المألوفة من فقر وفساد وتسلط العائلة والأقارب وغيرها، دون إغفال صراع النفوذ بين قوى العالم المختلفة للسيطرة على القارة الغنية بالموارد الأولية.

وفي وسط هذه الصورة الشائكة، بدا لافتا الموقف الحاد الذي اتخذته فرنسا من انقلاب النيجر دون غيره، على الرغم من وقوع ثمانية انقلابات خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ربما ندما على “تراخيها” تجاه انقلابات مالي وبوركينا فاسو وغينيا، وقبلها أفريقيا الوسطى، أو لأهمية يورانيوم النيجر لكهربة فرنسا، إضافة إلى موقعها الجغرافي المميز. لكن يبدو أن هذا “السعار” الفرنسي، يأتي انعكاسا لحالة “الرعب” التي تدب في أوصال الدولة الفرنسية، لاسيما الجناح المتنفذ فيها والذي يقوده الرئيس إيمانويل ماكرون، تحسبا لتوالي الانقلابات على رجالاتها المخلصين في غرب القارة ووسطها.

هذا السبب الأخير، وجد مصداقا له في الخطاب المطول الذي ألقاه الرئيس ماكرون في سفرائه قبل أيام، حيث ورغم نبرته الهادئة عند الحديث عن أوروبا وأوكرانيا والعلاقة مع الولايات المتحدة، فإنه لم يتمالك نفسه من “الصراخ” بانفعال عند الحديث عن القارة السمراء، المبرر المتبقي الوحيد لاعتبار فرنسا دولة عظمى أو حتى متوسطة! انفعال كرر عبره الرسائل التي ما فتئ يطلقها منذ الانقلاب على “فتاه المدلل” محمد بازوم، من ضرورة رجوعه لمقعده الذي وصل إليه في “انتخابات ديمقراطية مشروعة”؛ وأن الوجود العسكري الفرنسي في القارة هو في طور التحول إلى قوات محدودة للتدريب فقط؛ مشددا على إدانة ما أسماه “الخطاب النيو كولونيالي” الذي يروج لمعاداة لفرنسا (دون وجه حق)!! لكن الخلاصات الأهم في خطاب ماكرون تمثلت في رسالتين: الأولى داخلية، وجهها للتيار المناوئ له من يمين الوسط، فيما بدا رداً على ملاحظات النواب الجمهوريين ال 94 والرئيس ساركوزي، وقبلهما السفير الفرنسي السابق في الجزائر دريانكور، والذين طالبوه بإجراء تغيير في علاقات فرنسا مع دول شمال وغرب القارة، عمادها إصلاح العلاقة مع المغرب؛ مع توجيه “التفاتة” كذلك إلى اليمين المتطرف الذي يريد مزيدا من التشدد مع المهاجرين والدول المصدرة لهم. خلاصة رسالته للأطراف الداخلية أنه لا يزال مقتنعا بمساره، ومصمما على الاستمرار في النهج الاستعماري الفرنسي، مع إجراء بعض الرتوش التجميلية عليه، من قبيل ما أسماه “الانفتاح على القوى المجتمعية الأفريقية الحية” والتركيز على الثقافة والابتكار، وتشجيع استثمارات مزدوجي الجنسية في بلدانهم الأصلية (وليس استثمار جزء من الأموال الأفريقية المنهوبة لصالح سكان القارة!!). أما رسالته الخارجية الأبرز، والتي وجهها للقارة السمراء، فمختصرها ببساطة “أن فرنسا لن تغير سياساتها الاستعمارية” تجاه القارة المنكوبة، وستستمر في استهداف “المواد النادرة” الضرورية لتكنولوجيا المستقبل، والتي تزخر بها القارة الأفريقية، دون تغيير يذكر، اللهم ما أشرنا إليه سابقا من رتوش تجميلية بائسة.

وقد بدا التوتر والعصبية واضحين على محتوى ونبرة خطاب ماكرون، ولم يتورع حتى عن “تهديد” قادة غرب أفريقيا المنضوين تحت لواء الإيكواس، عندما قال نصا: “لو تخلت الإيكواس عن دعم بازوم، فرؤساؤها يعلمون ماذا ينتظرهم!!” وهنا تحديدا، يمكن أن يكون الأمر مفهوما، إذا علمنا أن بعض أقدم الرؤساء بقاء في السلطة “بطريقة ديمقراطية” يوجدون في غرب ووسط القارة، وهم محسوبون تقليديا على السيد الفرنسي منذ استقلال بلدانهم “الصوري” عن المستعمر القديم. وهنا نجد اسم “بول بيا” رئيس الكاميرون منذ 41 عاما، والممسك بالسلطة فعليا قبلها بسبع سنين (بمجموع 48 سنة!)؛ ومثله “تيودور أوبيانغ” رئيس غينيا الاستوائية الذي بدأت رئاسته قبل 44 عاما، وهو المنتمي لمجموعة وسط أفريقيا التي تخضع بدورها للنفوذ الفرنسي، مثل جمهورية الكونغو التي أكمل رئيسها “دوني ساسو نغيسو” عامه ال 39 في الحكم. أما باقي زعماء غرب أفريقيا الذين طالبهم ماكرون بالتدخل لإعادة زميلهم بازوم إلى سدة الحكم ولو بالقوة، فنجد “فور غناسينغبي” رئيس التوغو منذ أزيد من 18 عاما؛ و “لحسن واتارا” رئيس ساحل العاج منذ 16 عاما؛ و “ماكي سال” السنغالي الذي يستعد لمغادرة كرسيه بعد 15 عاما في الحكم.

أما ما لم يقله ماكرون، ولم يجرؤ أحد على سؤاله، فهو متى ستنهي فرنسا استعمارها الاقتصادي للقارة السمراء عبر مجموعة “فرنك غرب أفريقيا” (بنين، بوركينا فاسو، ساحل العاج، غينيا بيساو، مالي، النيجر، السنغال، توغو) ومجموعة “فرنك وسط أفريقيا” (تشاد، الكاميرون، الغابون، جمهورية الكونغو، أفريقيا الوسطى، غينيا الاستوائية، إضافة إلى جزر القمر رغم كونها من خارج المنطقة)؛ إذ بدون الاقتراب من هذه النقطة، فلن يمكن الحديث عن “تحرر أفريقيا من الهيمنة الفرنسية”! فهذه البلدان مجتمعة مجبرة على وضع أزيد من 50% من مداخيلها باليورو في البنك المركزي الفرنسي (كانت النسبة تصل إلى 85% على مدى عقود)، وهي محرومة من التصرف بها، والكلمة العليا في إدارة اقتصادها هي لمندوب الحكومة الفرنسية في البنوك المركزية لهذه الدول ال 15، فهل لا يزال الرئيس ماكرون جادا عندما يتساءل: لماذا يكرهوننا؟!

ولو نظرنا إلى هذه الدول ال 15، فسنجد أنها لطالما حكمت -ولا تزال- من قبل “دكتاتورات فرنسا” وعسكرها المستعد للانقلاب بمجرد تلقيه الإشارة الفرنسية، وذلك بمساعدة “فاغنر فرنسا” المتمثل في “الفيلق الأجنبي” بالجيش الفرنسي، والذي سبق تأسيس الفاغنر ب 184 عاما (تأسس عام 1830 مع احتلال الجزائر!!)، فمن أين أتى الرئيس الفرنسي بكل هذه “الوقاحة” ليتحدث عن انقلابات “ضد رؤساء منتخبين بشكل ديمقراطي” معظمهم منذ أزيد من ثلاث عقود؟!

المهم، وبغض النظر عن موقفنا الرافض للانقلابات العسكرية بشكل مبدئي، فنحن نفهم ما يجري حاليا في سياق كونها انقلاب على من انقلبوا على الدستور بتغييره، ليتيح لهم الحكم دون تحديد سقف زمني من السنوات، ليبقى الفيصل هو من الأقدر على الانعتاق من الهيمنة الفرنسية، وتحقيق أكبر قدر من مصالح الناس. أما جدل المشروعية، فلا مكان له في هذه القارة المنكوبة، قبل أن تنال استقلالها الحقيقي، وتستطيع إدارة شؤونها لمصلحة شعوبها بأيدي أبنائها، الذين لا يمارسون “العمالة” للمستعمر القديم، أو يسلمون مقاليدهم لمستعمر جديد، بحجة أنه لا قبل لهم بمواجهة مستعمريهم منفردين.

ختاما، فما بدا واضحا من خطاب ماكرون الأخير، أنه مصمم على السير في نهجه الاستعماري حتى نهاية ولايته، تاركا مهمة إعلان وفاة الجمهورية الخامسة لمن سيأتي بعده، لاسيما وأنها ربطت وجودها باستمرار استعمارها للقارة الأفريقية تحديدا، وهو الواقع الذي يعيش أيامه الأخيرة، لاسيما مع تعدد المعاول التي تعمل على هدمه، من داخل وخارج القارة السمراء!!

اقرأ أيضا

ارتفاع سريع لعدد إصابات جدري القردة بالقارة الإفريقية

كشفت هيئة الصحة العامة بإفريقيا، أن حالات الإصابة بفيروس جدري القردة، ترتفع بشكل سريع بالقارة.

مرصد دولي: المغرب رسخ مكانته كدعامة للاستقرار في إفريقيا

أكد المدير التنفيذي لمرصد الدراسات الجيوسياسية (OGE)، خالد حمادي، أن المغرب، تحت قيادة الملك محمد …

بمشاركة مغربية.. خبراء يناقشون بأديسا بابا مستقبل مكافحة الأمراض بإفريقيا

احتضنت العاصمة الإثيوبية أديسا بابا، لقاء طبيا شارك فيه خبراء متخصصون من مختلف دول القارة، …