قال الملك محمد السادس، إن المغرب اختار بمحض إرادته السيادية الخالصة، الشروع في إصلاحات عميقة وإرادية، تستجيب لتطلعات وانتظارات المواطنين.
وأضاف العاهل المغربي في الرسالة التي وجهها للمشاركين في الدورة الثانية للمنتدى العالمي لحقوق الإنسان، التي افتتحت أشغالها اليوم الخميس بمراكش، والتي تلاها مصطفى الرميد وزير العدل والحريات “لقد اختارت بلادنا، بمحض إرادتها السيادية الخالصة، الشروع في إصلاحات عميقة وإرادية، تستجيب لتطلعات وانتظارات مواطنينا. وقد مكن هذا المسار المتجدد والشامل، الذي توج باعتماد دستور جديد، من تعزيز دولة الحق والقانون والديمقراطية، كخيار لا رجعة فيه”.
وأوضح الملك محمد السادس أن المغرب وهو يتقدم بخطى حثيثة على درب الديمقراطية، الذي لا حد لكماله، لجدير بأن يفتخر، بعد خمس عشرة سنة من الجهود المشتركة، بحصيلة مشرفة من الإنجازات، تشمل ميادين حيوية، من قبيل العدالة الانتقالية، وحقوق المرأة، والتنمية البشرية، ورد الاعتبار للثقافة الأمازيغية كمكون أساسي للهوية المغربية، وتوطيد المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، وتدبير الحقل الديني، على أساس المبادئ والتعاليم والمقاصد السمحة للإسلام.
وأبرز الملك أن “أوراشا ذات تأثير كبير على حماية حقوق الإنسان، توجد قيد الإنجاز في مجال العدالة والصحافة، والمجتمع المدني، والحكامة الترابية، وحماية الفئات الهشة” مشيرا إلى أنه تماشيا مع هذا التوجه، ووفاء منها بتعهداتها المدرجة في ميثاقها الأساسي، فإن المملكة المغربية ما فتئت تعمل على تعزيز ممارساتها المعيارية. فبعد انخراطها في الآليات الأساسية لحقوق الإنسان، أقدمت المملكة على الرفع التدريجي للتحفظات التي كانت قد قدمتها خلال التصديق على هذه الآليات”.
واليوم، يقول الملك ، فإن المغرب يوطد هذا الاختيار، الذي لا رجعة فيه، لفائدة حماية حقوق الإنسان والنهوض بها. وفي هذا الصدد، فإننا قمنا في بداية هذا الأسبوع، بتقديم أدوات تصديق المملكة المغربية على البروتوكول الاختياري للاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا-إنسانية أو المهينة، وذلك بهدف إحداث آلية وطنية للوقاية، في غضون الأشهر القادمة. وهكذا سيصبح المغرب ضمن الثلاثين بلدا التي تتوفر على آلية من هذا القبيل.
وأشاد الملك “بالنقاش الدائر حول عقوبة الإعدام، بمبادرة من المجتمع المدني، والعديد من البرلمانيين ورجال القانون. وسيمكن هذا النقاش من إنضاج وتعميق النظر في هذه الإشكالية”.
وأكد أن مسألة توفير الحماية من كل أشكال انتهاك حقوق الأطفال، تشكل “انشغالا دائما لدينا. وهو ما يجسده الدعم المستمر الذي تقدمه لعمل المرصد الوطني لحقوق الطفل” مذكرا في هذا الصدد بأن المملكة صادقت على الاتفاقية المتعلقة بحقوق الطفل، وبالبروتوكولين الاختيارين لهذه الاتفاقية، الخاصين بإقحام الأطفال في النزاعات المسلحة وبيع الأطفال، ودعارة الأطفال، وأفلام الخلاعة المستغلة للأطفال. كما شكلت الحماية الدستورية للأطفال،يضيف الملك، منعطفا حاسما في مسلسل تعزيز المنظومة الوطنية للحماية القانونية للطفل.
وأكد الملك محمد السادس على أنه مواصلة لهذا التوجه، “فإننا نعتزم المصادقة على البروتوكول الاختياري الثالث للاتفاقية المتعلقة بحقوق الطفل، الذي يحدد المسطرة اللازمة لتقديم العروض”.
وتابع العاهل المغربي قائلا: “إننا نعرف أن أمامنا الكثير مما ينبغي القيام به. فهناك قانون الخدمة في البيوت الذي يعني بالأساس الفتيات، والذي يوجد حاليا قيد التداول داخل البرلمان. كما تنكب الحكومة على إعداد قانون خاص بمناهضة العنف ضد النساء، فيما سيتم قريبا تنصيب هيأة للمناصفة ومناهضة كافة أشكال التمييز، باعتبارها هيأة دستورية”.
وعبر الملك محمد السادس ، عن تضامنه وتعاطفه مع ضحايا آفات الانطواء على الذات ورفض الآخر والتعصب بسبب مبررات عرقية، أو قراءة منحرفة لنبل رسالات الأديان، في مناطق عديدة من العالم.
وأوضح الملك، أن حقوق الإنسان ازدادت أهميتها منذ مؤتمر فيينا، وأضحت من المحددات الجوهرية التي لا محيد عنها في حياة الأمم، وفي العلاقات الدولية، “غير أن هذا الطابع الكوني، الذي ما فتئ يعرف اتساعا، قد أصبح يواجه بعض الانحرافات، وتحديات غير مسبوقة يجب رفعها”.
وأبرز الملك في هذا السياق، أنه “في مناطق عديدة من العالم، يؤدي الانطواء على الذات، ورفض الآخر والتعصب، بسبب مبررات عرقية، أو قراءة منحرفة لنبل رسالات الأديان، إلى انتهاكات صارخة للحقوق الأساسية، بما فيها أقدس هذه الحقوق، ألا وهو الحق في الحياة”.
وقال الملك في هذه الرسالة “وإذ نعبر عن تضامننا وتعاطفنا تجاه كل ضحايا هذه الآفات، ندعو المجتمع الدولي لتعبئة أقوى، من أجل هؤلاء الضحايا”.
من جهة أخرى، أبرزت الرسالة الملكية أنه إذا كانت كونية حقوق الإنسان أمرا لا يمكن التشكيك فيه، فإن الكونية “لا تعني أبدا التعبير عن فكر أو نمط وحيد، بل يجب أن تشكل في جوهرها، نتاجا لدينامية انخراط تدريجي، عبر مراحل، تصل بها إلى درجة من التملك الفردي والجماعي، تجد فيه التقاليد الوطنية والثقافية مكانها الطبيعي، حول قاعدة قيم غير قابلة للتقييد، دون تعارض أو تناقض معها”.
ومن هنا، يضيف الملك “فإن الكونية تكتسب مشروعية أكبر، حينما تمثل التنوع الإنساني وتحميه، وعندما تتبناها كل شعوب وثقافات العالم، وتساهم في صنعها وبلورتها”.
وأعرب الملك، من جهة أخرى، عن “عميق اعتزاز المملكة المغربية باستضافة الدورة الثانية لهذا المنتدى العالمي، في مدينة مراكش، أرض الحوار والتنوع، والتفاعل المثمر بين الثقافات والحضارات”، معتبرا ذلك “تكريما لبلدنا ولقارتنا”.
كما أعرب الملك للمشاركين في هذا المنتدى العالمي، الذي يلتئم فيه آلاف المدافعين عن هذه القضية، من مختلف القارات، عن تقديره واحترامه لنضالهم النبيل من أجل حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
وأشاد الملك بجمهورية البرازيل التي بادرت، في دجنبر 2013، إلى إطلاق هذه الدينامية الجديدة، التي تتكامل مع المنتديات الاجتماعية الإقليمية والعالمية، متوجها بالشكر أيضا لجمهورية الأرجنتين، التي كان من المقرر أن تحتضن هذه الدورة الثانية، ثم ساندت، إلى جانب البرازيل، طلب المغرب لاستضافتها.
وأكدت الرسالة الملكية أن “اجتماع المدافعين عن حقوق الإنسان اليوم، يكتسي أهمية خاصة، لاسيما وأنه يأتي في سياق التحولات والتحديات التي يشهدها العالم، والتي تتطلب إجابات شاملة ومدروسة وجماعية”.
وأبرزت أن النظام الدولي لحقوق الإنسان “يشهد تحولات عميقة. كما أن إشعاع القيم العالمية لحقوق الإنسان وتملكها، يمر اليوم عبر انخراط أوسع لبلدان الجنوب، ولهيئات المجتمع المدني وللمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، في مسار تطوير الآليات الدولية والإقليمية لحماية هذه الحقوق والنهوض بها”.
وأضافت أن الأنظمة القانونية الداخلية تعززت بنصوص دستورية تدعم الضمانات الخاصة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية، مشيرة إلى أنه “بموازاة مع هذا التطور، فإن هناك العديد من التحديات التي تسائلنا بإلحاح. ويشكل منتداكم فرصة متميزة للتداول حولها، ولمناقشة الرهانات الطارئة في مجال حقوق الإنسان”.
وأبرز الملك في هذا السياق أنه “هنا تتجلى دقة ووجاهة المواضيع التي اخترتموها لهذا المنتدى، والتي تعكس فعلا، التطور الذي عرفه القانون الدولي لحقوق الإنسان، منذ المصادقة على إعلان وخطة عمل فيينا سنة 1993”.
وذكر الملك في هذا الإطار بأن الأجندة العالمية لحقوق الإنسان عرفت تحولات عميقة. “فإذا كان الجيلان الأول والثاني من حقوق الإنسان لازالا يتبوآن مكانة الصدارة، فقد برزت مواضيع جديدة، من قبيل حماية حقوق الأشخاص المسنين، وحقوق الإنسان في العصر الرقمي، والمقاولة وحقوق الإنسان، والتأهيل القانوني للفقراء، وقابلية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للتقاضي”.
وجدد الملك الترحيب بالمشاركين في المنتدى معبرا عن يقينه بأن تبادل الرأي والنقاش بينهم ، وعملهم اليومي لصالح حقوق الإنسان، في شموليتها، حقوق الجميع وفي كل مكان، ليشكل “مساهمة أساسية في انبثاق عالم أكثر أمنا للبشرية جمعاء، وأكثر إنصافا تجاه أشد الناس هشاشة وعوزا، عالم أكثر أريحية وإخاء نحو الجميع”.