نعيش هذه الأيام فرحة عيد الفطر المبارك، أعاده الله على العرب والمسلمين بالخير واليمن والبركات، وهي أيام مباركة يحتفل خلالها المسلمون بفرحة صيامهم وقيامهم بعد أن أدوها خلال ثلاثين يوماً من الاعتكاف في طاعة الرحمن. لكن الأحوال في العالم ليست على ما يرام، فهو مثقل بهموم الصراعات التي خلفها ما يسمى ظلماً «الربيع العربي» الذي قسم الدول العربية والإنسان العربي بين من هم ثوريون ومن هم غير ذلك.
وما يؤسف له أن هذه التقسيمات ليست بريئة ولها أبعادها وامتداداتها الداخلية والخارجية. فداخلياً توجد مجموعات إما أن تكون على اتصال بقوى تدعي الثورية في الخارج، أو تحركها عناصر داخلية لها نفس الأهداف، ومثل هؤلاء يشكلون خطراً أمنياً على أوطانهم، لأن استغلالهم وإغواءهم يمكن أن يتم من قبل قوى داخلية طامعة في الوصول إلى السلطة، أو خارجية ذات أهداف وطموحات في التخريب والتمدد والتوسع وبسط النفوذ والهيمنة على الدول العربية جميع من مشرقها إلى مغربها.
ومن وجهة نظر علماء السياسة هذه الصراعات بين الراغبين في التغيير الثوري في مقابل الراغبين في المحافظة على سلامة النسيج الوطني وإبعاد أوطانهم عن أتون إرهاصات ادعاء الثورية على أسس غير مفهومة، يكمن وراءها الصراع الأزلي الهادف إلى التنمية والتحديث العصري. فمدعو الثورية في أيامنا هذه، الذين تقودهم الجماعات الدينية والتيارات المختلفة المنبثقة عنها ترى بأن الطريق إلى التنمية يمر عبر الثورة «الشوارعية» وخلق الفوضى التي يمكنهم من خلالها قلب الأوضاع والاستيلاء على السلطة السياسية، ومن ثم الثروات المتواجدة في الدول العربية، في حين أن أغلبية المواطنين العرب يرفضون هذا الفكر ويفضلون الولوج إلى شعاب التنمية بالطرق السلمية والتحديث التطويري المستمر والمحافظة على أمن الوطن والمواطنين وسلامتهم وحفظهم من كل مكروه.
وفي خضم هذا الصراع المستمر حديثاً منذ أحداث ديسمبر 2010 – يناير 2011 في عدد من الدول العربية، والتي طال شررها المستطير دولاً عربية أخرى، لكن دون نجاح، لا يستطيع المرء التنبؤ بما ستكشف عنه مسارات المستقبل أو ما هي المخرجات النهائية لمجمل مسارات الصراع القائم، لكن يمكن القول بأن الحلول الأمنية وحدها لن تؤدي الغرض، ولنا مثال في ذلك ما يحدث في سوريا والعراق ومصر واليمن وليبيا، فهي الآن تبدو ككرة الثلج التي تتدحرج، ومع تدحرجها يكبر حجمها ويستعصي إيقافها. إن لكل صراع ساخن جوانبه من الصراع البارد، والصراع البارد توجد فيه خصائص من فترات ذوبان الجليد التي تتيح فرصاً للتحرك وتغيير المواقف والتوصل إلى الحلول المرضية لجميع الأطراف.
لذلك ما ندعو إليه جميع الأطراف المتصارعة في دول العالم العربي هو الوقوف مع النفس وقفات حقيقية والنظر إلى ما هو في صالح الأوطان بعيداً عن الأطماع والأهواء والتطلعات الشخصية، وذلك ضمن مبادئ العيش المشترك التي يقول أهم بند فيها «عش ودع غيرك يعيش». وربما أنّ أيام عيد الفطر المبارك تشكل خطوة أولى في هذا السبيل، تعقد خلالها فترات في وقف إطلاق النار والهدنة في اليمن وسوريا ومصر وليبيا والعراق والسودان وكل قطر عربي يبتلي بمثل هذه الكوارث التي ليس وراءها سوى فناء الإنسان والأوطان والزرع والضرع.
وبغض النظر عن التحول نحو طرق الوسائل السلمية من عدمه، وعن كون ذلك التحول يحدث في كل دولة عربية بشكل دائم أو بشكل تكتيكي آني فقط، فإن المهم هو أن يعي جميع الأطراف المتصارعة أن السبل والوسائل الحقيقية للتنمية الشاملة المستدامة لن تحدث سوى بالطرق السلمية والمحافظة على الأوطان أولاً وقبل كل شيء. وبالتأكيد أنه لا يوجد طرف في صراع التنمية يستطيع الجزم بأن لديه كافة الحلول لتحقيقها كاملة، ففي الوقت الذي لا تستطيع فيه النظم والوسائل التقليدية أن تستمر في الوفاء بكافة متطلبات التنمية دفعة واحدة، فإن من غير الممكن أيضاً وفي المطلق أن تتمكن التيارات المتطرفة والإرهابية أن تقدم شيئاً حقيقياً للإنسان العربي لأنه يتضح يوماً بعد يوم أنها تقوده نحو الهلاك وليس نحو التنمية. على أية حال يأتي العيد ويذهب والإنسان العربي يعيش في دوامة الفقر والجهل والمرض والترويع والقتل والتهجير والنزوح والتشرد. حفظ الله وطننا وكفانا شر كل ذلك، وكل عام وأنتم بخير.
* أستاذا مساعدا بقسم العلوم السياسية/”الاتحاد”