من السابق لأوانه الجزم بأن موافقة الأطراف الأساسية للأزمة الليبية من حيث المبدأ على مشروع اتفاق معدّل سوف تنهى صراع ليبيا المعقّد قريباً،فمازالت هناك خلافات تهدد بنسفه أوعلى الأقل تعوق تنفيذه تتعلق بشرعية مجلس النواب فى طبرق ومَن له حق الإشراف على القوات المسلحة وصلاحيات وتشكيل المجلس الأعلى للدولة المقترح.وعلى فرض تذليل تلك العقبات وتنفيذ الطرفين بنوده بحُسن نية فما الذى يجبر الجماعات المسلحة المتطرفة والإرهابية مثل داعش والقاعدة وأنصار الشريعة على الالتزام به وتسليم أسلحتها والخضوع لسلطة الدولة؟.
بعد جهود مضنية وتوسلات من المبعوث الدولى برناردينو ليون للفُرقاء الليبيين على مدى تسعة أشهر خرج ليزف للعالم من الصخيرات بالمغرب بُشرى موافقة ممثلى برلمان طبرق المعترف به دولياً وبرلمان طرابلس المنتهية ولايته على مشروع اتفاق معدل باستثناء تفاصيل بسيطة ومحددة سيتم التشاور بشأنها وبحثها قبل التوقيع عليه بالأحرف الأولي، ينص مشروع الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية بمشاركة الطرفين وتولّى برلمان طبرق المنتخب السلطة التشريعية وإنشاء مجلس أعلى للدولة، لم يُتفق على صلاحياته وكيفية تشكيله بعد،بالإضافة إلى وقف إطلاق النار ونزع سلاح الميليشيات وانسحابها من المدن ومنشآت البترول الذى يُعدُّ مصدر الدخل الأساسى من العُملة الصعبة.
فبينما أعلن برلمان طبرق استعداده للتوقيع على الاتفاق أرجأ برلمان طرابلس إرسال وفده إلى الصخيرات للتوقيع الخميس الماضى كما كان مقرراً بهدف إجراء مزيد من المشاورات قائلاً إن التعديلات التى طلب إدخالها عليه تم تجاهلها، ووصفته ميليشيا فجر ليبيا بأنه خيانة تهدف لإقامة ديكتاتورية فاشية تحت رعاية الأمم المتحدة، كما وصفه مراقبون بالغموض وتحدثوا عن ثلاثة بنود مازالت محل خلاف أولها مَن له حق سحب الثقة من الحكومة: برلمان طبرق وحده أم بالاشتراك مع المجلس الأعلى للدولة؟، والثانى هو الأساس الدستورى الذى يستمد منه برلمان طبرق شرعيته فى ضوء حكم المحكمة الدستورية ببطلان انتخابه،وثالثها صلاحيات المجلس الأعلى للدولة وكيفية تشكيله، فبرلمان طبرق يريد منحه دوراً استشاريا فقط دون التدخل فى أمور التشريع والسياسة بينما يطالب برلمان طرابلس له بصلاحيات سياسية وعسكرية،وبينما يطالب الأول بأن يكون أعضاء المجلس التسعون المنتمون لخصمه من المؤيدين للشرعية يصر الثانى على الرفض، وكشف مسئول حكومى فى طبرق للشرق الأوسط اللندنية عن أن برلمان طرابلس يريد تشكيل الحكومة مناصفةً ليمنح الإخوان والجماعات المتشددة المتحالفة معه فرصة للبقاء فى السلطة لكن حكومته لا تريد متطرفين فى الوزارات السيادية خاصة الجيش والأمن والمخابرات، وهذا مصدر خلاف آخر،فمن يعتبرهم أحد الطرفين متطرفين لا يعُدُّهم الآخر كذلك، وهناك جماعات لا يُستهان بقوتها مثل فجر ليبيا وأنصار الشريعة مصنّفة إرهابية ولم يُعرف بعد كيفية مشاركتها فى نظام الحكم المقترح، ومازال يتعين أيضاً صياغة ملاحق الاتفاق التى قد تحدث حولها خلافات كثيرة.
تنفيذ الاتفاق – فى حالة إقراره بصفة نهائية – يحتاج إلى جهود مستميتة من المبعوث الدولى ومجلس الأمن ودول الجوار لضمان عدم تراجع أى طرف عنه أو محاولة الإلتفاف عليه.فكل من الطرفين اُرغم على تقديم تنازلات تحت ضغوط داخلية وخارجية من بينها اتساع نطاق سيطرة الجماعات المتطرفة والإرهابية على الأراضى الليبية، كما أن الحل العسكرى ثبتت استحالته لعدم قدرة أى طرف على حسم الموقف لصالحه، وإذا تمكن داعش من تثبيت أقدامه فى ليبيا فلن يستطيع أحد أن يقتلعه منها مثلما حدث فى سوريا التى هيمن على نصفها، وفى العراق الذى فقد ثلث أراضيه وفشل التحالف الدولى فى القضاء عليه رغم آلاف الغارات الجوية على مواقعه.
لهذه الأسباب وغيرها يستعجل القلقون على مستقبل ليبيا إبرام اتفاق يُنهى الصراع بين حكومتى طبرق وطرابلس وبرلمانيهما حتى يمكن التفرغ لمواجهة داعش والقاعدة وأتباعهما والسيطرة على الحدود الليبية لوقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين ومن يندسون بينهم من الإرهابيين على أوروبا، فالجماعات المتطرفة تسيطر الآن على مدن مثل درنة وسرت ومصراته وصبراته وطرابلس وبعض بنغازى ولن يمكن وقف تمددها إلاّ إذا اتفقت القيادات السياسية والعسكرية والقبلية على موقف موحد.كما تمكّن 135 ألف مهاجر غير شرعى من الوصول إلى أوروبا رغم كل الإجراءات الى اتخذتها دولها لوقف تدفقهم، وإذا كان من الصعب حاليا ً- كما حدث فى دول إفريقية كثيرة – أن تُسلّم الجماعات المسلحة أسلحتها فيمكن على الأقل أن تنسحب من المدن ومناطق انتاج البترول كحل وسط حتى يتم وضع دستور جديد واجراء انتخابات حرة وتشكيل حكومة دائمة.وعلى شيوخ القبائل أن يقوموا بدور يليق بنفوذهم لضمان تنفيذ الاتفاق بالضغط على أبناء قبائلهم المنخرطين فى القتال مع الجماعات المسلحة لتركها والانضمام إلى الجيش الحكومي.فمنذ مؤتمرهم بالقاهرة قبل أسابيع لم نسمع لهم صوتاً ولا عن مجلس تنسيق القبائل الذى أعلنوا اعتزامهم تشكيله.كما على دول الجوار استخدام نفوذها لدى الأطراف التى تلقى قبولاً منها أن تساعد قدر استطاعتها فى تذليل ما يطرأ من عقبات عند تنفيذ الاتفاق، أما داعش وشركاه فلن يجدى معهم إلاّ السلاح لأنهم يرفضون أى تفاوض ويكفّرون مَن يخالفهم الرأي.
*خبير في الشؤون الافريقية/”الاهرام”