شنت وكالة فارس للأنباء، الوكالة الإيرانية شبه الرسمية، والتابعة للحرس الثوري هجوما شرساً على مملكة المغرب واعتبرت المملكة المغربية بسياساتها الحالية تخدم مصالح إسرئيل في المنطقة. ويعد هذا الهجوم الإيراني ليس الأخير من نوعه على مملكة المغرب حيث عمل الإعلام الإيراني في السنوات الأخيرة وبشكل ممنهج على تشويه صورة المغرب من خلال تقارير كانت تعد وتنشر ويروج لها بشكل كبير في الإعلام الإيراني وأصبحت توزع العديد من هذه التقارير حتى في الجامعات الإيرانية.
كما قامت المؤسسات الإيرانية بعقد عدة ندوات ومؤتمرات عن المغرب وسياسة المملكة المغربية الخارجية والداخلية وهذا ما دَفْع الحوزة الشيعية الإيرانية في عام 2009 م. لتنظيم مؤتمر كبير حضرته وفود لبنانية وسورية وعراقية وسودانية وأفريقية غير رسمية بغية تشويه صورة المغرب بين الدول العربية والإفريقية الإسلامية بسبب السياسات التي تنتهجها المملكة المغربية وترى إيران بأن هذه التوجه والنهج المغربي ينافس طهران في أفريقيا ودول المغرب العربي.
وطرح رجالات الدين في إيران عدة أوراق بحثية للنقاش حول مواضيع هامة وحساسة في مؤتمر 2009م عن المغرب الذي عقد في مدينة قم الإيرانية، وكانت هذه الأوراق تناقش سياسات المغرب الخارجية وعلاقاتها بجوارها العربي والافريقي، وسياستها الداخلية وطبيعة النظام الحاكم والأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية المغربية بواسطة الباحثيين والصحفيين العرب الذين ينتمون لمنظومة المشروع الإيراني في الوطن العربي.
وغفلت أغلب الدول العربية والإسلامية عن طبيعة المشروع الإيراني وخططه في أفريقيا ودول المغرب العربي ولم ينتبه العرب للإنتشار الإيراني الذي حصل في بعض الدول الأفريقية إلا مؤخراً ومن أهم العوامل التي أدت لهذا الإنتشار هو إغلاق وخروج المؤسسات الخيرية والدعوية الخليجية من أفريقيا بعد هجمات 11سبتمبر فقامت إيران عن طريق فيلق قدس الإيراني الذي يمثل الجناح الخارجي للحرس الثوري في إيران والحوزات الشيعية بسد هذا الفراغ عن طريق بناء المدارس والمؤسسات الخيرية والدعوية الشيعية في أفريقيا لتحل مكان المؤسسات الإسلامية الخليجية في افريقيا لنشر التشيع وخلق زعامات أفريقية شيعية تحت غطاء العمل الخيري والإنساني وأصبحت الحوزات الشيعية الإيرانية في مدينتي قم ومشهد تستقطب الآلاف من الطلبة الأفارقة الذين تشيعوا ويتم تعليمهم ودعمهم وتمكينهم من خلال تأسيس القنوات والصحف الخاصة وبلغات أفريقية محلية تروج للتشيّع وإيران ودورها الإنساني والخيري والدعوي في افريقيا.
ومن أهم المؤسسات الإيرانية التي عملت على نشر التشيع واستقطاب الطلبة العرب والأفارقة في إيران هما جامعتي (جعفر الصادق) و(فاطمة الزهراء) الحرس الثوري في طهران، حيث خرج الآلاف من الطلبة الافارقة ما بين الذكور والإناث من هذه الجامعات الإيرانية وأصبحوا هم لسان إيران وعيون إيران وأدواتها الفاعلة في الدول الأفريقية.
وتقوم هذه الجامعات الإيرانية بتوفير كافة الإحتياجات الأساسية للطلبة الافارقة الوافدين إلى إيران وخلال فترة تواجدهم في إيران ليس فقط يتم تغيير مذهبهم إلى التشيع ضمن برمجة التشيع التي تستخدمها إيران للتأثير على الطلبة الأفارقة بل يتم تثقيفهم على كره العرب ونصب العداء لأهل السنة والدول العربية ويتم الترويج للطلبة الأفارقة على أن الدول العربية والإسلامية السنية هي من تقف خلف المأساة التي تعيشها الشعوب في افريقيا ولهذا نجد اليوم بأن هناك العديد من الأفارقة المتشيعين يذهبون حتى إلى سورية للإلتحاق بالمليشيات الشيعية لقتال أهل السنة في سورية والدفاع عن النظام في سورية.
لقد تنبأت مملكة المغرب بخطورة التوسع الإيراني ومشروع الحوزات الشيعية الإيرانية لـنشر التشيع في أفريقيا في ظل غياب مشروع عربي – إسلامي يتصدى أو يوازي المشروع الإيراني الخطير في الدول الافريقية وأصبحت المغرب هي الدولة العربية والإسلامية الوحيدة الواقفة في وجه المشروع الإيراني بمفردها في القارة السمراء فوضعت المغرب مشروعاً موازيا للمشروع الإيراني في الدول الإفريقية التي تشهد نفوذا إيرانيا واسعا رغم الظروف الإقتصادية التي تمر فيها المغرب مما أثار التوجه والسياسة المغربية الجديدة تجاه الدول الأفريقية مخاوف عديدة لدى الساسة الإيرانيين وقادة الحرس الثوري واعتبرت إيران أن سياسات المملكة المغربية تصب في تجاه مصالح دول مجلس التعاون الخليج العربي المتأزمة علاقتها مع طهران وخصوصا المملكة العربية السعودية في مواجهة المشاريع الإيرانية في الدول الإفريقية.
يعقد الحرس الثوري الإيراني اجتماعاً سنوياً على مستوى القادة والدبلوماسيين الإيرانيين الذين ينتمون الى فيلق قدس الحرس الثوري الإيراني ويتم دراسة سياسة الحرس الثوري الخارجية ومراجعتها سنوياً وعادة يتم وضع مشاريع وخطط جديد للعام المقبل لإكمال الخطط والمشاريع البعيدة المدى للحرس الثوري الإيراني في منطقة الشرق الأوسط وافريقيا وفي اجتماع قادة الحرس الثوري الإيراني برئاسة “اللواء محمد علي جعفري” في عام 2010م.
حيث اتفق قادة الحرس الثوري الإيراني على أنه يجب التركيز على النشاط الإيراني وتعزيز مكانة الجمهورية الإيرانية في الدول الافريقية عن طريق تكثيف النشاط الثقافي والدعوي والعمل الخيري ودعم الاستثمارات لإقتصادية الايرانية عن طريق التجار الايرانيين والتجار الشيعة اللبنانيين الذين بنتمون لمنظومة حزب الله في الدول الافريقية وتم اختيار عام 2010م لتكثيف هذا النشاط تحت مسمى عام “المغرب وشمال افريقيا” من قبل الحرس الثوري الايراني لأهمية هذه المنطقة الحساسة لدى إيران ولتوسيع نفوذ طهران في افريقيا والمغرب العربي.
وكانت القيادة الإيرانية ترى بأن لا يمكن الإستمرار في التوسع والنفوذ والانتشار الإيراني في دول المغرب العربي والدول الإفريقية إلّامن خلال زرع خلايا إيرانية فاعلة ونشطة في مملكة المغرب لتلعب دوراً محورياً في تطبيق المشروع الإيراني الرامي لنشر الفتنة والفوضى والطائفية في مملكة المغرب عن طريق نشر التشيع في بعض المناطق المغربية من خلال استغلالهم للعوائل الفقيرة كما حصل ذلك في سورية ومصر والسودان ونيجيريا، كما والعمل على استقطاب الطلبة المغاربة الراغبين للعمل والدراسة في الجامعات الإيرانية وتوظيف بعض الكتاب والصحفيين لصالح مشروع إيران التوسعي حتى تتمكن القيادة في إيران ان تكسب ورقة سياسة رابحة ضد المغرب مما يساعدها في الضغط على المغرب وإضعاف المغرب داخليا ليتسنى لطهران ولمشروعها القومي التوسع والإنتشار في افريقيا بعيدا عن الدور المغربي الفاعل في افريقيا وحتى لا يكون المغرب منافساً عربيا ونافذاً في مواجهة المشروع الايراني في القارة الافريقية .
ومن هنا شكلت المغرب في السنوات الأخيرة سداً منيعاً لمواجهة مشروع الحوزات الشيعية الايرانية وجنرالات الحرس الثوري الايراني في دول المغرب العربي والدول الأفريقية بقيادة الملك محمد السادس وأدرك العاهل المغربي بخطورة المشروع الإيراني والتوسع والنفوذ الإيراني على حساب المغرب والعرب عموما وتحركت المغرب بعد ما رأت بأن حان دورها التاريخي للتحرك وبقوة في الدول الإفريقية.
ومن هذا الباب دخلت المغرب في الدول الافريقية ولعبت دوراً اساسياً وفاعلا في مواجهة سياسات الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق قدس الإيراني الذي لعب دوراً محورياً في التوسع والإنتشار الايراني في سورية ولبنان واليمن والعراق وعمل على تشكيل مليشيات عسكرية في العراق وسورية على غرار حزب الله في لبنان وهذا ما تحاول تطبيقه إيران الان في الدول الافريقية وسط غياب عربي وإسلامي شبه تام عن مدى خطورة هذا المشروع الايراني الواسع في الدول الافريقية وتأثيره المباشر على النزاع الإيراني – العربي في منطقة الخليج العربي الخليج والعراق وسورية ولبنان واليمن.
فكانت الجولة الأخيرة للعاهل المغربي في الدول الأفريقية ودعمه للمشاريع الإقتصادية والخيرية والدعوية للمؤسسات الدينية هناك استفزت الدولة الإيرانية وقادة الحرس الثوري الإيراني الذين يرون بأن الدول الإفريقية ساحة خصبة لنشر التشيع ومجالهم الحيوي للتوسع في تلك المنطقة الإستراتيجية والهامة بسبب غياب الدور العربي والإسلامي وخصوصا دول الخليج العربي ومؤسساتهم الإسلامية الدعوية والخيرية والإستثمارية في الدول الإفريقية مما جعل الملك محمد السادس يتحرك لملأ هذا الفراغ وليشكل سداً عربياً إسلامياً منيعا لمواجهة المشروع الفارسي الخطير الذي يقوده الجنرال قاسم سليماني في الدول الافريقية ، مما جعل من الإعلام الإيراني أن يتحرك ويهاجم المغرب بشكل قبيح وسافر وهذا يؤكد لنا على أن التحرك المغربي والسياسة المغربية لمواجهة المشروع الإيراني تسير بشكل صحيح سوا في المغرب أو في الدول الإفريقية.
ويعتبر التحرك المغربي في الدول الأفريقية أمراً طبيعياً في المعادلات الإستراتيجية والسياسية الدولية لأن الدول الأفريقية تشكل العمق الطبيعي والإستراتيجي لمملكة المغرب وللحفاظ على دورها الإقليمي والدبلوماسي الرائد في تلك المنطقة الحساسة والهامة فمن الواجب على المغرب أن تتحرك في مجالها الاستراتيجي وعمقها الطبيعي كما أن هناك عوامل ثقافية وتاريخية عديدة مشتركة بين المغرب والدول الافريقية التي لا تمتلكها أيران ولكن إيران تنظر لهذا التوجه المغربي الجديد في الدول الأفريقية بأنه ليس فقط دور مغربي مستقل بل تحرك ممنهج بين دول مجلس التعاون الخليج العربي والمملكة المغربية والمغرب هي من تتصدر هذا المشهد لمنافسة إيران في مجالها الحيوي الذي أسست فيه المدراس والجامعات والمستشفيات والمؤسسات الخيرية والنفوذ الذي فرضته إيران في السنوات الأخيرة في ظل غياب إستراتيجية عربية وإسلامية موحدة لمواجهة المشروع الإيراني في افريقيا.
أمام قادة دول مجلس التعاون الخليجى وخصوصاً تلك التي تلعب دوراً اساسياً في مواجهة النفوذ الايراني في المنطقة والداعمة للثورة والمعارضة في سورية ، فرصة تاريخية وذهبية لإجهاض المشروع الإيراني في افريقيا، من خلال دعم سياسات المغرب الاقتصادية والدينية والخيرية الرسمية في افريقيا لتكون المغرب هي الدولة العربية الأكثر تأثيرا ونفوذها في افريقيا وليس إيران.
وتفعيل دور المؤسسات المغربية غير الرسمية لتعيد نشاطها وبقوة في الدول الافريقية حتى لا نواجه انهياراً استراتيجيا عربيا وإسلاميا في شمال افريقيا كالذي حصل في منطقة الشرق الأوسط بعد احتلال العراق وسقوط نظام صدام حسين الذي كان يشكل للعرب سداً عربياً منيعاً امام التوسع الفارسي الصفوي في المنطقة واليوم مملكة المغرب هي الدولة العربية الوحيدة التي تستطيع القيام بهذا الدور الهام والحساس في افريقيا للحفاظ التوازنات الاستراتيجية والإقليمية لصالح العرب والانجازات التاريخية للمسلمين والعرب في افريقيا التي اقتربت منها طهران.
إن إيران التي نصبت الحوثيين من الكهوف إلى القصور في صنعاء ونصبت طلبة الحوزات الشيعية من قم ومشهد للحكم في قصور بغداد تستطيع أن تنصب حكومات موالية لها في أفريقيا، الأمر الذي يتطلب دع الاستراتيجية المغربية في القارة الأفريقية، وعدم تركها في مواجهة إيران بمفردها.
* ناشط إعلامي/”المركز الدبلوماسي”