بقلم: راجح الخوري*
كشفت الغارة الأميركية على المزرعة المحاذية لبلدة أجدابيا يوم الاثنين الماضي، أن الهدف لم يكن تصفية زعيم «القاعدة» في ليبيا مختار بلمختار فحسب، بل الخلاص أيضًا من عدد من القياديين الإرهابيين الذين كانوا يجتمعون في تلك المنطقة شرق ليبيا.
ما كشفه مسؤول كبير في الإدارة الأميركية في اليوم التالي، يؤكد أن هدف العملية قطع الطريق على ما هو أخطر، فالاجتماع كان يضمّ مجموعة من القياديين المحليّين الأساسيين في «القاعدة» و«داعش»، وأن بلمختار تولى تنظّيم هذا الاجتماع بهدف قيام تعاون تكتيكي ميداني بين الجماعتين المتصارعتين أصلاً يساعدهما في تزخيم عملياتهما في الإقليم!
هذا الإعلان لا يشكل إنذارًا لليبيا وحدها التي تنحدر إلى التفتت والصوملة، بل أيضًا إلى مجموعة واسعة من دول المنطقة في الشمال الأفريقي وكذلك إلى الدول الأوروبية في جنوب المتوسط؛ ذلك أن اتساع سيطرة «داعش» والإرهابيين في ليبيا، سيجعل منها قاعدة انقضاض على دول الجوار تشبه بركانًا مفصليًا بين قارتي أفريقيا وأوروبا، يقذف حمم الانتحاريين في كل الاتجاهات!
قبل يومين من الغارة الأميركية كانت الدول الخمس الكبرى إضافة إلى ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والاتحاد الأوروبي والدول المجاورة لليبيا والأمم المتحدة، قد عقدت اجتماعًا في برلين للبحث في الوسائل التي تمنع تفكك ليبيا، لكن قياسًا بالواقع الذي يزداد خطورة في ليبيا بدا هذا الاجتماع وكأنه يضرب في الأوهام، وخصوصًا عندما أعلن وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير أن «العالم ينتظر من أطراف النزاع أن يتحملوا مسؤولياتهم وأن يوافقوا على تسوية»!
شتاينماير أراد أن يوجّه تحذيرًا إلى الليبيين المتقاتلين بقوله إن مفاوضات برلين قد تكون الفرصة الأخيرة لحماية ليبيا من التفكك، لكن هذا الكلام لم يصل قطعًا إلى أسماع «داعش» والتنظيمات المتطرفة المتنازعة التي تدمر ليبيا، والتي تستعد لتوسيع رقعة عملياتها الإرهابية في الدول المجاورة.
في هذا السياق تبدو تونس هدفًا متقدمًا في حسابات الدواعش الذين شنّوا قبل يومين عملية إرهابية استهدفت مركزًا للدرك في مدينة سيدي بوزيد، التي سبق لها أن فجّرت «ثورة الياسمين» وأوقعت عددًا من الضحايا، وهي ليست الوحيدة التي تحصل منذ الهجوم الدموي الذي شنه عناصر من «داعش» على متحف باردو في 18 أبريل (نيسان) الماضي وأدى إلى مقتل 23 شخصًا.
ليس خافيًا أن المساعي اليائسة التي يبذلها الموفد الأممي برناردينو ليون لن تساعد ليبيا في الخروج من رمالها الدموية المتحركة، وإذا كان الاجتماع الدولي الإقليمي الذي عقد في برلين قد عجز عن توفير أي حلول تمنع تفكك ليبيا، فإن المخاوف تتزايد من أن يتحوّل ذلك البلد الذي يمثل نقطة مفصلية بين الشمال الأفريقي والجنوب الأوروبي، منطلقًا لعمليات إرهابية تستهدف دول الجوار وتعبر المتوسط إلى الشمال الأوروبي أيضًا.
الحديث عن إخراج «داعش» من مدينة درنة الساحلية قبل يومين، لا يخفف من أخطار سيطرة التنظيم على مدينة سرت، حيث بات على مقربة من خليجها النفطي المهم الذي قد يوفّر له دعمًا ماليًا كبيرًا، ثم إن التنظيم بدأ في الأيام القليلة الماضية يتحرك في اتجاه منطقة الجفرة وبات على مداخل مدينة هون عاصمة الجفرة، حيث يقع حقل المبروك النفطي المهم، وهذا يعني أن توسّع سيطرة التنظيم على الأرض والنفط سيجعل من ليبيا قاعدة انقضاض إرهابية قارية تعمل في كل الاتجاهات.
من جهة الشرق، واضح أن مصر قد تجد أنها مضطرة لخوض معركتين؛ واحدة مع دواعش سيناء في الشمال الشرقي والثانية مع دواعش ليبيا في الغرب، وقد تتفاقم أخطار الإرهابيين الآن بعد صدور الأحكام ضد قيادات «الإخوان المسلمين».
من جهة الغرب، تبدو تونس التي التحق أكثر من ثلاثة آلاف من أبنائها بالتنظيم، هدفًا متقدمًا للإرهابيين، فقد أعلن «داعش» في عدد من أشرطة الفيديو، عزمه على توسيع خلافته في «إفريقية»، وهذه الكلمة هي مصطلح تاريخي كانت تعرف به تونس في الأزمنة الغابرة، وبعد تونس الجزائر، حيث لا تزال هناك بقايا من جمر إرهابي تحت الرماد، ثم المغرب وصولاً إلى موريتانيا!
موقع «ديلي بيست» الأميركي نشر تقريرًا قبل أيام يتحدث عن مؤشرات متزايدة تؤكد مساعي التنظيم لبسط «نفوذ خلافته المزعومة في تونس»، وأعاد التذكير بما سبق أن أعلنه البنتاغون في بداية هذا الشهر، من أن «داعش» بدأ في التحرك من الشرق الأوسط إلى شمال أفريقيا بعد أن حصل على المساندة في ليبيا، وما يزيد من المخاوف أن قياديين من تنظيم عقبة بن نافع الإرهابي الناشط في جبال الشعانبي ضد الحكومة التونسية، كانوا يشاركون في الاجتماع الذي قصفه الأميركيون في أجدابيا الليبية!
من جهة الجنوب يبدو السودان هدفًا متقدمًا في حساب التنظيم الذي يفترض أن هناك بيئة سودانية مساعدة له، أضف إلى ذلك تشاد والنيجر وصولاً إلى نيجيريا، حيث ينشط تنظيم «بوكو حرام» الذي أعلن قبل أشهر انضمامه إلى «داعش».
من جهة الشمال، تبدو الأمور مقلقة أيضا، فالشاطئ الليبي يمتد على مسافة ألفي كيلومتر في مقابل الدول الأوروبية، وليس هناك مثلاً أكثر من مسافة 300 كيلومتر تفصل بين ليبيا والشاطئ الإيطالي، ومع توسع سيطرة التنظيم تتزايد المخاوف من أن ما يسمى «قوارب الموت»، التي تحمل اللاجئين من الشاطئ الليبي إلى لامبيدوزا الإيطالية وغيرها، قد تحمل الانتحاريين لزرع الموت في الشوارع الأوروبية.
في هذا السياق، سبق أن ظهرت مخاوف أوروبية من أن تندسّ عناصر من الإرهابيين بين اللاجئين الذين يتم التقاطهم من المتوسط، تقوم فيما بعد بتنفيذ عمليات إرهابية بالتعاون مع عناصر متطرفة نائمة في أوروبا، ومن المعروف أن مئات عدة من المواطنين الأوروبيين سبق أن التحقوا بـ«داعش» ويقاتلون مع التنظيم في سوريا والعراق، وباتت عودتهم إلى بلادهم تشكل هاجسًا مقلقًا خوفًا من عمليات إرهابية يقومون بتنفيذها!
على خلفية هذه المخاوف يقول وزير الدفاع الإسباني بيدرو مورينيس إن عمليات التحالف الدولي ضد «داعش» يجب أن لا تقتصر على العراق وسوريا، بل يجب أن تضرب التنظيم حيث يظهر وينمو على ما يحصل في ليبيا، ولهذا يتزايد الحديث الآن في إيطاليا وفرنسا وإسبانيا وبريطانيا عن ضرورة الإسراع في ترتيب عملية واسعة للتدخل العسكري في ليبيا.
*كاتب لبناني/”الشرق الاوسط”