بقلم: رائف مرعي*
تخوض الإدارة الأميركية نقاشات داخلية بالغة الأهمية، في لحظة اختبار حقيقية للرئيس أوباما بمواجهة خصومه في الصراع حول وجهة واشنطن الآن. على مسرح الديبلوماسية العالمية، يؤدي وزير الخارجية جون كيري دوراً غير مقنع بوصفه وزير خارجية قوة عالمية، معنياً بتطبيق سياستها الخارجية ومساهماً في ضبطها. فكيري وزير خارجية من المدرسة الكلاسيكية، التي ترى أن دور أميركا يتمثل في هيمنتها عالمياً، وصياغتها للنظام العالمي.
اللافت أن أميركا، القوة العظمى (الوحيدة) في العالم، تجهد في البحث عن هوية لسياستها الخارجية. وقد بات ذلك من الإشكاليات الحاضرة في مؤسسات صناعة القرار السياسي، الذي يتربّع على رأسها البيت الأبيض. فبعد ست سنوات على رئاسته، ما زال المراقبون يتداولون في أمر السياسة الخارجية لأوباما وأولوياتها الأساسية، والتي تنحو باتجاه رؤية مختلفة للعالم، وتفضل التركيز على المشاكل الأقرب لأميركا، والإحجام عن التدخل في كل مكان حول العالم.
إن تقليص الاهتمام بالمجال الدولي لمصلحة الداخل الأميركي، وفق عقيدة أوباما «البناء من الداخل»، وانتهاج أميركا لسياسة أكثر استيعاباً ومرونة للأخطار والخصوم، وضعت سيد البيت الأبيض في مواجهة مع دعاة التدخل، الذين يُصرّون على بقاء الدور الأميركي محور المنظومة العالمية. علماً أن أوباما بدأ يُسدل الستار على عصر بناء الدول عن طريق التدخل الأميركي المباشر، وأن حضور الشرق الأوسط بدا في نص استراتيجية الأمن القومي الأميركية الجديدة، الصادرة في شباط 2015 عن البيت الأبيض، في المرتبة الثالثة من أولويات الوثيقة.
ومن بين الأزمات القائمة في الشرق الأوسط، فقد أظهرت الأزمة السورية، على وجه الخصوص، ذاك التباين في الرؤى ما بين البيت الأبيض من جهة، والخارجية وغيرها من المؤسسات الداعمة من جهة أخرى. وقد برز ذلك أحيانًا بشكل صارخ في تفسيرهما لسياسة واشنطن «المفيدة» تجاه الصراع في سوريا.
فالحرب السورية تكاد تشكل واحداً من أعظم الأدلة وأقوى البراهين على صحة النظرية والاعتقاد، بأن انهيار النظام الإقليمي مرتبط جدلياً بانهيار رديفه العالمي. والأخير يبرز من خلال زيادة الارتباك وتصعيد العنف بدلاً من التحفظ والتنظيم.
لقد أظهرت الخارجية الأميركية ووزيرها عجزاً واضحاً في فهم المسألة السورية، على عكس البيت الأبيض وإدارته. وقد بلغ سوء الفهم للصراع في سوريا ذروته، إبان الحديث عما سُمّي بـ «استخدام السلاح الكيماوي في سوريا «. فبينما ألقى كيري خطاباً حماسياً في نهاية آب 2013 من الطابق السابع في مبنى وزارة الخارجية (إحدى الطرائق المتعارف عليها لقياس أهمية شخص ما في وزارة الخارجية، تتعلق بمدى قربه من الطابق السابع التابع لجناح وزارة الخارجية)، ملمّحاً بقرب الحرب على سوريا، ومتحدثا كجنرال في الجيش الأميركي، فإن أوباما دعا مستشاريه إلى المكتب البيضاوي في اليوم ذاته، وأبلغهم أنه لن تُشن غارات جوية من دون موافقة الكونغرس، ما يعني أنه استبعد الخيار العسكري عن الطاولة. وقد وضع هذا الأمر كيري وطاقمه المساعد خارج البيئة السياسية المقرّرة لحدث خارجي كبير، تجاه منطقة حيوية للاستراتيجية الأميركية. حتى أن أوباما لم يســتشر وزير خارجيته قبل التوصل إلى قراره. وهو ما أفاد بأن الدور الذي يقوم به كيري يتصل بموقعه والصلاحيات المنوطة به كوزير للخارجية، من دون أن يعني ذلك أنه جزء من دائرة الرئيس المقرّبة.
*إعلامي سوري/”السفير