بقلم: عثمان ميرغني*
هل يمكن لأحد أن يقول إنه فوجئ بمحاولات «داعش» للتمدد في ليبيا، أو بالعجز العربي إزاء الانهيار المتواصل في هذا البلد العربي؟
للأسف الشديد الإجابة في الحالتين معروفة. فالأوضاع في ليبيا ظلت تسير من سيئ إلى أسوأ على مرأى ومسمع من الجميع، وكان واضحا أن مزيج الفوضى والسلاح والتناحر السياسي والقبلي والجهوي سيعيد إنتاج الحالة الأفغانية أو الصومالية، وسيسمح بتمدد «القاعدة» و«داعش» أو أي حركات شبيهة تظهر بتسميات جديدة، مثلما حدث في العراق ويحدث في سوريا، وربما في اليمن بصورة مختلفة. رد الفعل العربي على التردي في الحالة الليبية جاء متوقعا، بيانات، إدانات، واجتماعات لا تقدم أو تؤخر بينما بلد آخر ينحر بسبب الصراع على السلطة، ويصبح لقمة سائغة أمام المتطرفين. فالعجز العربي بات أمرا معتادا، وفي نهاية المطاف يحال الملف إلى «مبعوث دولي» لكي يريحنا ويرفع عنا المسؤولية ويبحث عن حل، بينما يبقى دور جامعة العرب ثانويا في أحسن الأحوال.
قد يقول قائل إنه كانت هناك تدخلات عربية في ليبيا سواء لدعم «الانتفاضة» ضد القذافي أو بعد ذلك، وهذا صحيح على مستوى بعض الدول، ولكن ليس على المستوى الجماعي، كما أن هذا التدخل اتخذ طابع الحرب الباردة بين بعض الأطراف العربية. بكلام أوضح فإنه مقابل الدعم القطري والسوداني والتركي لجماعات إسلامية بعينها، تدخلت مصر ودولة الإمارات لمنع وقوع ليبيا في أيدي هذه الجماعات والميليشيات الأخرى المتحالفة معها التي كانت وما تزال تسعى لبسط سيطرتها على مقاليد الأمور. مصر تبقى معنية أكثر من غيرها بما يدور على حدودها الغربية، خصوصا في ظل معركتها مع الإخوان المسلمين. فوقوع ليبيا في قبضة الحركات الإسلامية المسلحة سيعني تطويق مصر وجرها إلى معركة على جبهتين، واحدة في الغرب والأخرى في الشرق حيث تخوض حربا ضد المتطرفين في سيناء الذين صعدوا هجماتهم وأعلنوا «إمارة» إسلامية مزعومة بايعت أبو بكر البغدادي ودولته المزعومة أيضا. وليس خافيا أيضا أن الأمور بين مصر وحركة حماس ليست على ما يرام وأن هناك الكثير مما يجري تحت السطح. زد على ذلك أن إسلاميي السودان لا يكنون ودا للنظام في مصر حتى ولو كانت الأمور على السطح توحي بتقارب على المستوى الحكومي بين البلدين. وليس ببعيد ما حدث قبل أيام معدودة عندما خرجت في الخرطوم مسيرات وصدرت بيانات وتصريحات بل وتحذيرات من منسوبي الحركة الإسلامية الإخوانية وبعض قياداتها مثل الدكتور حسن الترابي، للتنديد بالأحكام الصادرة ضد الرئيس المصري المعزول محمد مرسي وبعض رموز «الإخوان».
تداعيات الصراع في ليبيا لن تبقى محصورة داخل حدودها، بكل ما قد يعنيه ذلك من تعقيدات. فما يحدث في هذا البلد له تداعياته المباشرة أيضا على تونس وعلى الجزائر، وآثاره قد تمتد إلى المغرب وحتى موريتانيا. فملف الإسلاميين في المغرب العربي، كما في كثير من أرجاء العالم العربي، يبقى شائكا ومليئا بالتعقيدات، وقضية التطرف ومشاكله تؤرق الأجهزة الأمنية والسياسية.
أوروبا أيضا تبدو مشغولة بتردي الأوضاع في ليبيا وما تراه خطرا أمنيا وسياسيا على حدودها الجنوبية. فالفوضى في ليبيا جعلتها مرتعا لمهربي الكتل البشرية الذين يشحنون الآلاف من اليائسين في قوارب الموت التي قد تصل إلى سواحل أوروبا، أو تغرق بحمولتها البشرية في مياه البحر الأبيض المتوسط. الصور التي تبثها وسائل الإعلام للغرقى أو للذين يتم إنقاذهم من قوارب الموت تشحن الرأي العام الأوروبي، وتدفع حكوماته للتحرك خصوصا في وقت أصبحت فيه قضية الهجرة ملفا ساخنا في القارة العجوز التي تواجه مشاكل اقتصادية واجتماعية متزايدة. هناك أيضا القلق الأمني المتزايد من أن يستغل «داعش» أو «القاعدة» موجات المهاجرين لتسريب عناصر إرهابية لتنفيذ عمليات في أوروبا.
لهذه الأسباب بدأت بعض الأصوات في أوروبا ترتفع منادية بتدخل عسكري، مثلما فعل وزير الدفاع الإسباني بيدرو مورينيس عندما قال قبل أيام إن عمليات التحالف الدولي ضد «داعش» يجب ألا تكون فقط في العراق وسوريا، بل لا بد أن تمتد إلى أي مكان يظهر فيه هذا التهديد، مشيرا بالتحديد إلى التطورات الأخيرة في ليبيا وتمدد الدواعش في درنة وسرت ومواقع أخرى. هذه الأصوات ما تزال محدودة حتى الآن، لكن الوضع يبقى قابلا للتغير إذا تنامى نفوذ «داعش» على الأرض الليبية.
ليبيا للأسف مرشحة للأسوأ إذا لم تحدث تحركات سريعة وجدية على جبهتين، الأولى دعم الحوار الدائر حاليا تحت رعاية الأمم المتحدة، والثانية منع تمدد «داعش» على غرار ما حدث في العراق وسوريا. في الحالتين لا بد من دور عربي تقوم به الدول القادرة والمعنية، فالتردد لن يزيد الوضع إلا تعقيدا، ومسلسل الحرائق لن يتوقف عند الحدود الليبية.
*كاتب صحفي/”الشرق الأوسط”