أخيرا قال السيد عبد المالك سلال، ما كان يجب أن يقوله منذ زمن بعيد، وهو الذي دعا في مناسبات سابقة الشباب الجزائري لأن يبتهج ويرقص على نخب ثروة النفط التي منحتنا الرخاء والثراء، وحتى وإن كان السيد الوزير الأول في لقائه بكوادر “سوناطراك” أو الخزينة المالية الوحيدة في البلاد، اكتفى بتقديم الحالة البائسة للجسد الاقتصادي الجزائري، من دون أن يقدم العلاج الممكن، إلا أن الاعتراف أو تشخيص الحالة هو دائما أمر محبذ، رغم أن الكثيرين يرون بأن ما تفضل به الوزير الأول صار يعلمه أي جزائري وحتى أجنبي، وبكونه من غير مفعول، مادامت الحلول منعدمة على الأقل على المديين القصير والمتوسط.
السيد الوزير الأول وهو يشخّص الحالة الاقتصادية البائسة التي يتواجد فيها الإقتصاد الوطني، أعطى أرقاما استشرافية مستقبلية، فهم منها الجميع بأن سنوات الرخاء التي عاشتها الجزائر في العقد الماضي، كانت كلّها للتبذير. والذين افتخروا بقضاء الجزائر على المديونية الثقيلة التي ورثناها من عهد الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، قد يسحبون هذا الإفتخار في أقرب الآجال عندما نعود للاستدانة، ولكن هذه المرة سنفتقد نهائيا للقدرة على التسديد، والذين كانوا يقولون بأن احتياطي الصرف بالعملة الصعبة الذي قارب المائتي مليار دولار، هو كنز سيستفيد منه أحفادنا، سيسحبون قولهم، لأنهم مضطرون لأن يلتهموه قبل حلول عام 2018 كما اعترف بذلك السيد عبد المالك سلال، أي قبل أن يكبر أبناؤنا ولا نقول أحفادنا.
لم يقدم السيد عبد المالك سلال أية معلومة جديدة في كلمته المتشائمة، ولم يفاجئ أي أحد عندما وصف الحالة من دون أن يقدم وصفة للعلاج، ولكنه عدما تحدث عن أسباب العجز أو الشلل الذي بلغه البدن الاقتصادي، أخطأ بربطه بانهيار أسعار النفط فقط، من دون أن يتطرق للأسباب الحقيقية وهي غرق الدولة والشعب في الحياة الاستهلاكية، بطريقة تحوّلت إلى ظاهرة غريبة، احتلت فيها الجزائر المركز الأول في استهلاك كل المواد التي لا تنتجها من قمح وسكر وقهوة ودواء وسيارات، من دون أن يُصرف جزء من هاته الأموال الطائلة التي منّ بها الله علينا في بناء صناعة أو فلاحة، ليوم العسر الذي بلغناه بعد انهيار سعر المحروقات، وتبخر الأمل في أن يعود إلى ما بعد المائة دولار، بل وتبخر الأمل في أن تواصل الجزائر إنتاجها للنفط على نفس المنوال وقد تخرج من منظمة الأوبيب في السنوات القادمة، وإذا كانت أندونيسيا قد فكرت وعملت نصف قرن من الزمن لمرحلة ما بعد النفط، فتحولت من بلاد “جائعة”، وهي تصدر النفط إلى الخارج، إلى بلاد “شبعانة” وهي تستورده من الخارج، فلا نعلم إن كان الجزائريون سيصبرون خمسين سنة كاملة ليتحدوّا حياة بلا نفط، هذا إن كان نصف قرن من الزمن كاف، أو إذا مازال للجزائري المقدرة على التحدّي أصلا؟
عبد المالك سلال في رميته الأخيرة لم يكن متسللا أبدا، بل كان في وضعية سليمة وهو يسجل هدفا، ولكن المشكلة أن كرته جاءت بعد انقضاء الوقت بدل الضائع وتصفير الحكم نهاية الجولة ومغادرة الجمهور؟
*صحفي جزائري/”الشروق”