«الطلياني»: صفحة تونسية من الهم العربي

غزلان جنان
وجهات نظر
غزلان جنان10 مايو 2015آخر تحديث : منذ 9 سنوات
«الطلياني»: صفحة تونسية من الهم العربي
«الطلياني»: صفحة تونسية من الهم العربي

أدهشنا شكري المبخوت، الأستاذ الجامعي والناقد التونسي، بروايته المبدعة «الطلياني»، التي استحقت الفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية، على رغم أنها تجربته الروائية الأولى. وأدهشنا في حفل استلامه الجائزة في أبو ظبي قبل عدة أيام حين أهداها الى نساء تونس والنساء العربيات، ذلك أن أي قارئ للرواية لن يخطر في باله نسبتها إلى أدبيات النسوية العربية، على رغم الصوت العالي للمرأة فيها. بطل الرواية رجل، عبد الناصر، فائض الحضور والرجولة، كما أن أبطال وشخوص الرواية الآخرين من الرجال يسيطرون على فضاءاتها الأوسع. على هامش الحفل، وفي حوار تلفزيوني مشترك سألته عن ذلك فقال إن عبد الناصر، بطل الرواية وضحيتها، هو نتاج نسائها: حبيبته ورفيقته في النضال الماركسي زينة هي التي توجه تكونه الفكري، جنينه زوجة الشيخ المخاتل والنفعي هي التي توجه تفتحه الجسدي والجنسي، أمه وأخواته، وعشيقته نجلاء، وحتى عشيقته السويسرية العابرة شقيقة زوجة أخيه، كل منهن تصوغ جزءاً من حياته. هكذا إذن يصير عبد الناصر كأنما هو جانب من هذا المجتمع الذي هو في نهاية الأمر صنيعة امرأة مجتمعات العرب حيث كانت. لربما كان هذا هو السبب الذي قرّب شخصية عبد الناصر، البالغ الوسامة الى درجة تشبيهه بالطليان والأوروبيين ونعته في الحارة والمدرسة بلقب «الطلياني»، إلى قراء وقارئات الرواية. يرون فيه وفي تناقضاته وحيرته ونجاحاته وإخفاقاته ونبله وسفالاته وتضحيته وخياناته، شظايا حياتهم المبعثرة. في محيط عبد الناصر تتحرك تونس ومجتمعها وأفكارها وسياستها ودولتها وجامعها. هذه حقبة بن علي، وهي ترث البورقيبية وترفع كل مزاعم التحرر من وطأة القائد الأب، ثم تنهار أو تكاد على عتبات الربيع العربي. تحمل شعارات تحرر المرأة وتحريرها... وتسجنها في تلك الشعارات، تحمل شعارات خصوصية التجربة الديموقراطية التونسية وتواصل نحرها على مذبح الاستبداد والسلطوية. على ضفاف السياسة المأزومة والمجتمع المنشطر، والتدين المتسارع، واليسار الآفل، تنفتح نيوليبرالية السوق لتساهم بدورها في طحن منظومات القيم وقلبها وعكسها. عبد الناصر هو الممثل الشرعي لمسيرة متعثرة لكنها حالمة وطامحة، فيها غدر كثير، لكن تظل تناضل كي تصل إلى كوّات الأمل. إبداع شكري المبخوت في هذه السردية الممتعة يكمن بالضبط هنا، في تخليق شخصيات حية تنبض بالدم والحياة، نرى أنفسنا فيها. لهذا، يتابع في حديث ممتع، جاءته صبايا تونسيات كثيرات يسألنه أين هو عبد الناصر وكيف يمكن أن يعثرن عليه. يردن التعرف إليه، حضنه، وتقبيله. قال لشابة يافعة، لكن عبد الناصر، وهو من صنع خيالي، سيكون بعمر والدك لو وُجد الآن. أجابته لا يهم فلقد عشقته. رد عليها، لكن خان زوجته مع صديقتها، ردت عليه لا يهم لقد عشقته. المبخوت ضخ في شوارع تونس وجوهاً لكائنات خيالية، لكنها باهرة، لأنها مرايا للعابرين والعابرات يرون فيها ربما ما لا يريدون أن يروا. لأجل ذلك وغيره كثير استحق وروايته الفوز.

لمواصلة القراءة ، انقر هنا

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق