في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية التي تشهدها قضية الصحراء المغربية، مرت الدبلوماسية البرلمانية إلى السرعة القصوى في “اقتحام” ما تبقى من معاقل خصوم الوحدة الترابية بأمريكا اللاتينية، وتكسير أسطوانتهم المشروخة بحنكة كبيرة.
وأثمرت مجهودات الدبلوماسية البرلمانية مجموعة من المنجزات اللافتة أبرزها إعلان مجلس الشيوخ في باراغواي شهر نونبر 2024 دعمه للمبادرة المغربية للحكم الذاتي بالصحراء، التي “تعد الأساس الوحيد الجدّي وذي المصداقية لحل نهائي في إطار سيادة المغرب ووحدته الترابية”، مع توجيه الدعوة لحكومة بلاده إلى تبني نفس الموقف.
والتحقت بنما يوم الخميس 21 نونبر 2024 بركب الدول التي قررت تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع “الجمهورية الصحراوية” الوهمية، وهو الخبر الذي نزل كالصاعقة على النظام العسكري الجزائري.
وأبلغت دولة الإكوادور (العضو الحالي بمجلس الأمن)، الخارجية المغربية، بقرار كيتو العاصمة تعليق اعترافها بالكيان الوهمي، الذي كانت اعترفت به وفتحت تمثيلية له على أراضيها.
وكان رئيس مجلس الشيوخ البرازيلي، رودريغو باتشيكو، الذي قام بزيارة رسمية للمملكة، يوم الاثنين 14 أكتوبر 2024، أكد في تصريحات صحفية أن “السياسة التي ينهجها المغرب بشأن قضية الصحراء تتسم بالجدية”. مؤكداً أن بلاده اتخذت موقفا رسميا إزاء هذه القضية.
وكان مجلس الشيوخ البرازيلي اعتمد في يونيو 2023 ملتمسا لدعم المبادرة المغربية للحكم الذاتي في الصحراء، داعيا إلى دعم “أكثر تعبيرا” للجهود “الجادة وذي المصداقية” للمملكة بحثا عن حل لهذا النزاع الإقليمي.
وفي البيرو، تعالت أصوات برلمانيين محنكين، للتأكيد على ضرورة الالتحاق بركب البلدان التي فتحت قنصليات لها في الأقاليم الجنوبية للمغرب.
المغرب.. شريك متقدم
ما يؤكد أن الدبلوماسية البرلمانية المغربية تسير على الطريق الصحيح مصادقة منتدى رؤساء ورئيسات المؤسسات التشريعية بأمريكا الوسطى والكارييب والمكسيك (الفوبريل) يوم الأربعاء 27 نونبر 2024، خلال الاجتماع الاستثنائي الـ 30 للمنتدى الذي احتضنه البرلمان المغربي يومي 27 و28 نونبر 2024، بالإجماع على قرار منح البرلمان المغربي صفة “شريك متقدم” بعدما كان يحظى بصفة “عضو ملاحظ دائم” منذ سنة 2014.
وبحسب الأمين العام التنفيذي لمنتدى “فوبريل”، أرييل ألبارادو أوربينا، فإن منح المغرب هذه الصفة يأتي تتويجاً لجهود البرلمان المغربي في تعزيز التعاون مع بلدان أمريكا الوسطى والكارييب والمكسيك.
وأضاف أوربينا، آنذاك، أن الارتقاء بالبرلمان المغربي إلى صفة “شريك متقدم” سيضمن “حضوراً دائماً لممثلي المملكة في هيئتنا وفي منظمتنا”.

ويفتح هذا التحول النوعي آفاقاً جديدة للدبلوماسية البرلمانية لتعزيز حضورها في هذا الفضاء الجيوسياسي الهام، والذي كان يستغله خصوم المملكة لترويج الدعاية الانفصالية.
والأكيد أن الموقع الجغرافي الذي يتميز به المغرب يخوّل له الاضطلاع بدور أساسي في مجال التعاون جنوب – جنوب، الذي جعلت منه المملكة أحد الركائز الأساسية لسياستها الخارجية، في ظل عالم متنامي التحولات والتغيرات.
اختراقات استراتيجية
أفضت الجهود الكبيرة التي تبذلها مؤسسة البرلمان بالموازاة مع عمل الدبلوماسية الرسمية، إلى تحقيق الكثير من الاختراقات في ما يتعلق بقضية الصحراء المغربية، منها سحب عدد كبير من البلدان اعترافاتها بـ”الجمهورية الصحراوية” الوهمية.
“الدبلوماسية البرلمانية حققت اختراقات كبيرة في دول أمريكا اللاتينية وأمريكا الوسطى والكارييب وغيرها من الفضاءات”. يقول الدكتور عبد الفتاح الفاتحي، مدير مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الاستراتيجية.
وأوضح الفاتحي في تصريح لـ”مشاهد24″، أن ذلك قد تأتّى بفضل انخراط المملكة في النقاشات البرلمانية بناء على أجندة للتعاون الاقتصادي والسياسي؛ ما أفضى إلى تأسيس لجن برلمانية مشتركة مع عدة دول من أمريكا اللاتينية منها عضوية المنتدى البرلماني لبلدان أفريقيا وأمريكا اللاتينية والكارييب “افرولاك”، وآخرها عضوية الشريك المتقدم لدى منتدى رؤساء ورئيسات المؤسسات التشريعية بأمريكا الوسطى والكارييب والمكسيك “الفوبريل” في 27 نونبر 2024.
وشدد مدير مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الاستراتيجية، على أن الدبلوماسية البرلمانية المغربية تحرص بقوتها المعهودة على اختراق برلمانات الدول التي كانت تُعد معقلاً للطرح الانفصالي، مبيناً أنها “حققت نتائج مثمرة، بفضل تضييق الخناق على خصوم الوحدة الترابية”.
ووفق الفاتحي، فإن “استراتيجية الدبلوماسية البرلمانية المغربية تنطلق من مدخل أن إقناع المجتمعات عبر ممثليهم في المؤسسات التشريعية بشرعية المملكة المغربية على الصحراء يكون أكثر فعالية واستدامة من إقناع مؤسسات حكومية سمّمها التغير والتبدل”. مضيفا أن “التحرك الدبلوماسي البرلماني يُمهد الطريق ويدعم بشكل مواز الدبلوماسية الحكومية”.
وأردف قائلا: “الدبلوماسية البرلمانية المغربية تحظى بالإشادة والاستحسان لدى العديد من برلمانات أمريكا اللاتينية”. لافتاً أن هذه الدبلوماسية “انتصرت في رؤيتها لإقامة علاقات تعاونية قائمة على مبدأ رابح – رابح”.
ثمار النجاح
أعلن مجلس المستشارين وعدد من البرلمانات الجهوية والإقليمية بأمريكا اللاتينية والكاريبي، يوم الأربعاء 4 دجنبر 2024، عن توقيع إعلان مشترك يروم إنشاء “المنتدى البرلماني الاقتصادي المغرب-أمريكا اللاتينية والكاريبي”، كمبادرة تستجيب للحاجة إلى تعميق العلاقات الاستراتيجية، وإحداث فضاء مؤسسي رسمي ودائم للحوار البرلماني بين-الإقليمي، من شأنه تعزيز التعاون وتوطيد العمل المشترك في القضايا ذات الاهتمام المشترك.

اعتبر النائب البرلماني علال العمراوي، عن الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، أن الدبلوماسية البرلمانية المغربية تتميز بنجاعة كبيرة، وهي مُكمّلة للسياسة الرسمية للبلاد تحت إشراف الملك محمد السادس.
وأضاف العمراوي في تصريح لـ”مشاهد24″، أنه بعد عمل دؤوب استمر لسنوات، أضحى المغرب يجني ثمار الدبلوماسية الملكية، مشيراً إلى أن الأدوار التي تقوم بها مؤسسة البرلمان جزء من المنظومة ككل؛ خاصة فيما يتعلق بالدفاع عن القضية الوطنية ومجابهة خصوم الوحدة الترابية في شتى الأقطار.
وأعطى المتحدث نموذج أمريكا اللاتينية، إذ في اعتقاده أسهمت الدبلوماسية البرلمانية المغربية في محاصرة الدعاية الانفصالية. لافتاً أن “حضور المغرب داخل هذا الفضاء القاري والذي يتّسم بخصوصية كبيرة؛ بات لافتاً مقارنة مع ما كان عليه سابقاً”، حيث كان “ضعيفاً”، على حد تعبيره.
وعن سبل تطوير الدبلوماسية البرلمانية وتعزيز فعاليتها في أمريكا اللاتينية، قال النائب البرلماني، إنه “يتعين على المؤسسة البرلمانية مواصلة الانفتاح على نظرائها بدول أمريكا اللاتينية من أجل تحقيق دبلوماسية برلمانية يقظة”.
وبحسب النائب البرلماني، فإن قضية الصحراء المغربية “تشهد في الوقت الراهن تحولاً نوعياً ومنعطفاً كبيراً”، مبرزاً أن “القضية الوطنية توحّد صفوف نواب الأمة رغم اختلاف تياراتهم وتوجهاتهم”.
زخم كبير
الدكتور محمد الغالي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاضي عياض بمراكش، أورد أن الدبلوماسية البرلمانية المغربية تلعب أدواراً مهمة وكبيرة في تقريب وجهات النظر وتوضيح مجموعة من الأمور خاصة ما يتعلق بالوحدة الترابية للمملكة.
وأضاف الغالي في تصريح لـ”مشاهد24″، أن الدبلوماسية البرلمانية استطاعت من خلال التعاون والشراكة جنوب – جنوب والتواصل المستمر مع برلمانات أمريكا اللاتينية وأمريكا الوسطى والكارييب أن تشرح بوضوح مواقف المملكة والحق التاريخي والإنساني والحضاري على كل أراضيها.
وسجّل المتحدث أن مجهودات الدبلوماسية البرلمانية أفضت إلى سحب الاعترافات بـ”الجمهورية الصحراوية” الوهمية بأمريكا اللاتينية التي طالما اعتبرت معقلا للمشروع الانفصالي، في المقابل تزايد الدعم لفائدة المقترح المغربي للحكم الذاتي باعتباره “حلاًّ جدياً وموثوقاً وواقعياً”.
وفسّر الغالي أن دول أمريكا اللاتينية “كانت مُتشبّعة بالأيديولوجية الاشتراكية التحررية”، لافتاً أن خصوم الوحدة الترابية “كانوا يجدون في هذا الفضاء الجيو – سياسي مرتعاً مناسباً لأجل تمرير كراهيتهم وأحقادهم للمغرب، لكن عندما لعب البرلمان أدواره ولا يزال يقوم بذلك؛ فكل تلك الادعاءات المغرضة تم فضحها”.
وبيّن المحلل السياسي أنه بفضل توجيهات الملك محمد السادس في خطبه بمناسبة افتتاح دورات البرلمان؛ تم تحقيق اختراقات غير مسبوقة لصالح الوحدة الترابية.
وفي هذا الصدد، توقّف أستاذ العلوم السياسية عند الأدوار التي تلعبها الجزائر لمحاولة فرملة أي تقارب بين المملكة ودول أمريكا اللاتينية.
وبحسب المتحدث فإن النظام الجزائري “يعقد شراكات خادعة مع دول أمريكا اللاتينية لمحاولة استمالتها”، مبرزاً أن “التحولات التي يعرفها العالم على مستوى الأيديولوجيات أدت إلى فضح ادعاءات خصوم الوحدة الترابية؛ مما يعني بأن الأمور تسير نحو الاتجاه الصحيح”.
مشاهد 24 موقع مغربي إخباري شامل يهتم بأخبار المغرب الكبير