كيف نجحت الدبلوماسية البرلمانية في محاصرة الدعاية الانفصالية بأمريكا اللاتينية؟ (تحليل)

في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية التي تشهدها قضية الصحراء المغربية، انتقلت الدبلوماسية البرلمانية إلى السرعة القصوى في “اقتحام” ما تبقى من معاقل خصوم الوحدة الترابية بدول أمريكا اللاتينية، وتكسير أسطوانتهم المشروخة بحنكة كبيرة.

ونجحت الدبلوماسية البرلمانية، وفق رؤية ملكية مُتبصّرة، خلال السنوات الأخيرة، في تليّين وتحييد مواقف برلمانات مجموعة من الدول في هذا الفضاء القاري حول قضية الصحراء، ما يزيد من قوة الموقف التفاوضي للمغرب في النزاع المفتعل.

وأثمرت مجهودات الدبلوماسية البرلمانية مجموعة من المنجزات اللافتة – أثارت حنق الخصوم- آخرها مصادقة منتدى رؤساء ورئيسات المؤسسات التشريعية بأمريكا الوسطى والكارييب والمكسيك (الفوبريل) يوم الأربعاء 27 نونبر 2024، خلال الاجتماع الاستثنائي الـ 30 للمنتدى الذي احتضنه البرلمان المغربي يومي 27 و28 نونبر 2024، بالإجماع على قرار منح البرلمان المغربي صفة “شريك متقدم” بعدما كان يحظى بصفة “عضو ملاحظ دائم” منذ سنة 2014.

وبحسب الأمين العام التنفيذي لمنتدى “فوبريل”، أرييل ألبارادو أوربينا، فإن منح المغرب هذه الصفة يأتي تتويجاً لجهود البرلمان المغربي في تعزيز التعاون مع بلدان أمريكا الوسطى والكارييب والمكسيك.

وأضاف أوربينا أن الارتقاء بالبرلمان المغربي إلى صفة “شريك متقدم” سيضمن “حضوراً دائماً لممثلي المملكة في هيئتنا وفي منظمتنا”.

ويفتح هذا التحول النوعي آفاقاً جديدة للدبلوماسية البرلمانية لتعزيز حضورها في هذا الفضاء الجيوسياسي الهام، والذي كان يستغله خصوم المملكة لترويج الدعاية الانفصالية.

والأكيد أن الموقع الجغرافي الذي يتميز به المغرب يخوّل له الاضطلاع بدور أساسي في مجال التعاون جنوب – جنوب، الذي جعلت منه المملكة أحد الركائز الأساسية لسياستها الخارجية، في ظل عالم متنامي التحولات والتغيرات.

اختراقات استراتيجية

“الدبلوماسية البرلمانية حققت اختراقات كبيرة بدول أمريكا اللاتينية وأمريكا الوسطى والكارييب وغيرها”. يقول الدكتور عبد الفتاح الفاتحي، مدير مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الاستراتيجية.

وأوضح الفاتحي في تصريح لـ”مشاهد24″، أن ذلك قد تأتى بفضل انخراط المملكة في النقاشات البرلمانية بناء على أجندة للتعاون الاقتصادي والسياسي وهو ما أفضى إلى تأسيس لجن برلمانية مشتركة مع عدة دول من أمريكا اللاتينية منها عضوية المنتدى البرلماني لبلدان أفريقيا وأمريكا اللاتينية والكارييب “افرولاك”، وآخرها عضوية الشريك المتقدم لدى منتدى رؤساء ورئيسات المؤسسات التشريعية بأمريكا الوسطى والكارييب والمكسيك “الفوبريل” في 27 نونبر 2024.

وشدد مدير مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الاستراتيجية، على أن الدبلوماسية البرلمانية المغربية تحرص بقوتها المعهودة على اختراق برلمانات الدول التي كانت تُعد معقلاً للطرح الانفصالي، مبيناً أنها “حققت نتائج مثمرة”.

ووفق الفاتحي، فإن “استراتيجية الدبلوماسية البرلمانية المغربية تنطلق من مدخل أن إقناع المجتمعات عبر ممثليهم في المؤسسات التشريعية بشرعية المملكة المغربية على الصحراء يكون أكثر فعالية واستدامة من إقناع مؤسسات حكومية سمّمها التغير والتبدل”.

وأردف قائلا: “الدبلوماسية البرلمانية المغربية تحظى بالإشادة والاستحسان لدى العديد من برلمانات أمريكا اللاتينية”. لافتاً أن هذه الدبلوماسية “انتصرت في رؤيتها لإقامة علاقات تعاونية قائمة على مبدأ رابح – رابح”.

ثمار النجاح

تلعب الدبلوماسية البرلمانية المغربية دوراً هاماً في تعزيز أواصر التعاون بين المغرب ومختلف دول أمريكا اللاتينية، وكذا التعريف بقضية الصحراء وشرح حيثياتها السياسية والتاريخية لبرلمانات هذه الدول. ولا تقف أدوارها عند كل ما هو سياسي بل تساعد أيضا على تعزيز النقاش والتعاون الاقتصادي والتجاري.

وحيال ذلك، أعلن مجلس المستشارين وعدد من البرلمانات الجهوية والإقليمية بأمريكا اللاتينية والكاريبي، يوم الأربعاء 4 دجنبر 2024، عن توقيع إعلان مشترك يروم إنشاء “المنتدى البرلماني الاقتصادي المغرب-أمريكا اللاتينية والكاريبي”، كمبادرة تستجيب للحاجة إلى تعميق العلاقات الاستراتيجية، وإحداث فضاء مؤسسي رسمي ودائم للحوار البرلماني بين-الإقليمي، من شأنه تعزيز التعاون وتوطيد العمل المشترك في القضايا ذات الاهتمام المشترك.

اعتبر النائب البرلماني علال العمراوي، عن الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، أن الدبلوماسية البرلمانية المغربية تتميز بنجاعة كبيرة، وهي مُكمّلة للسياسة الرسمية للبلاد تحت إشراف الملك محمد السادس.

وأضاف العمراوي في تصريح لـ”مشاهد24″، أنه بعد عمل دؤوب استمر لسنوات، أضحى المغرب يجني ثمار الدبلوماسية الملكية، مشيراً إلى أن الأدوار التي تقوم بها مؤسسة البرلمان جزء من المنظومة ككل؛ خاصة فيما يتعلق بالدفاع عن القضية الوطنية ومجابهة خصوم الوحدة الترابية في شتى الأقطار.

وأعطى المتحدث نموذج أمريكا اللاتينية، إذ في اعتقاده أسهمت الدبلوماسية البرلمانية المغربية في محاصرة الدعاية الانفصالية. لافتاً أن حضور المغرب في هذا الفضاء القاري وبرلماناته بات لافتاً مقارنة مع ما كان عليه سابقاً، حيث كان “ضعيفاً”، على حد تعبيره.

واستطرد العمراوي قائلا: “لقد أسهمت الدبلوماسية البرلمانية المغربية في هذا التحول وفق رؤية ملكية سديدة”، مبرزاً أن تعزيز التعاون جنوب – جنوب يخلق آفاقا جديدة على عدة أصعدة اقتصادية وثقافية وغيرها.

وبحسب النائب البرلماني، فإن قضية الصحراء المغربية “تشهد في الوقت الراهن تحولاً نوعياً ومنعطفاً كبيراً”، مبرزاً أن “القضية الوطنية توحّد صفوف نواب الأمة رغم اختلاف تياراتهم وتوجهاتهم”

زخم كبير

مباحثات مكثفة ووازنة تلك التي أجراها راشيد الطالبي العلمي، رئيس مجلس النواب، في الفترة الماضية مع رؤساء وممثلي المؤسسات التشريعية بأمريكا اللاتينية والوسطى والكارييب والمكسيك وغيرها.

وقرأ عدد من المتابعين هذا التحرك واللقاءات التي عقدها رئيس مجلس المستشارين في الآونة الأخيرة داخل وخارج أرض الوطن، بمثابة دبلوماسية برلمانية فعّالة في أبرز معاقل خصوم الوحدة الترابية، من قبيل بنما.

والتحقت بنما يوم الخميس 21 نونبر 2024 بركب الدول التي قررت تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع “الجمهورية الصحراوية” الوهمية، وهو الخبر الذي نزل كالصاعقة على النظام العسكري الجزائري.

 

الدكتور محمد الغالي أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاضي عياض بمراكش، أورد أن الدبلوماسية البرلمانية المغربية تلعب أدواراً مهمة وكبيرة في تقريب وجهات النظر وتوضيح مجموعة من الأمور خاصة في ما يتعلق بالوحدة الترابية للمملكة.

وأضاف الغالي في تصريح لـ”مشاهد24″، أن الدبلوماسية البرلمانية استطاعت من خلال التعاون والشراكة جنوب – جنوب والتواصل المستمر مع برلمانات أمريكا اللاتينية وأمريكا الوسطى والكارييب أن تشرح بوضوح مواقف المملكة والحق التاريخي والإنساني والحضاري على كل أراضيها.

وسجّل المتحدث أن مجهودات الدبلوماسية البرلمانية أفضت إلى سحب الاعترافات بـ”الجمهورية الصحراوية” الوهمية، في المقابل تزايد الدعم لفائدة المقترح المغربي للحكم الذاتي باعتباره “حلاًّ جدياً وموثوقاً وواقعياً”.

وبيّن المحلل السياسي أنه بفضل توجيهات الملك محمد السادس في خطبه بمناسبة افتتاح دورات البرلمان؛ تم تحقيق اختراقات غير مسبوقة لصالح الوحدة الترابية.

وفسّر الغالي أن دول أمريكا اللاتينية “كانت مُتشبّعة بالأيديولوجية الاشتراكية التحررية”، لافتاً أن خصوم الوحدة الترابية “كانوا يجدون في هذا الفضاء الجيو – سياسي مرتعاً مناسباً لأجل تمرير كراهيتهم وأحقادهم للمغرب، لكن عندما لعب البرلمان أدواره ولا يزال يقوم بذلك؛ فكل تلك الادعاءات المغرضة تم فضحها”.

وفي هذا الصدد، توقّف أستاذ العلوم السياسية عند الأدوار التي تلعبها الجزائر لمحاولة فرملة أي تقارب بين المملكة ودول أمريكا اللاتينية.

وبحسب المتحدث فإن النظام الجزائري “يعقد شراكات خادعة مع دول أمريكا اللاتينية لاستمالتها”، مبرزاً أن “التحولات التي يعرفها العالم على مستوى الأيديولوجيات أدت إلى فضح ادعاءات خصوم الوحدة الترابية؛ مما يعني بأن الأمور تسير نحو الاتجاه الصحيح”.

اقرأ أيضا

وساطة الملك محمد السادس.. نفوذ ومصداقية في خدمة الإنسانية

على إثر وساطة الملك محمد السادس، أُطلق سراح أربعة مسؤولين فرنسيين، كانوا معتقلين منذ سنة في بوركينا فاسو.

برقية تعزية ومواساة من الملك إلى الرئيس الفرنسي

بعث الملك محمد السادس إلى رئيس الجمهورية الفرنسية إيمانويل ماكرون، برقية تعزية ومواساة، إثر مرور إعصار تشيدو على أرخبيل مايوت.

البرلمان العربي يؤكد على الدور الهام للملك في الدفاع عن القضية الفلسطينية

أكد البرلمان العربي، اليوم السبت بالقاهرة، على الدور الهام والجهود المتواصلة التي يبذلها الملك محمد …