كتب أحد القراء الكرام، وقال لي يا أختي إن مقالاتك كلها سوداء، أنت لا تعرفين إلا الانتقاد وتصوير الجزائر على أنها بلد لا شيء فيه جميل.. وقد لمس مشاعري هذا القارئ، فقررت بعد تفكير طويل أن ألعن الشيطان الرّجيم وأستغفر الله العظيم، وأتفاءل وأنظر إلى الجانب الأبيض والمنير في الجزائر، وأشيد كما أشاد التلفزيون العمومي، و “أشيّت” كما “شيّت” الوزراء الأجلاء في جريدة “لوفيڤارو” الفرنسية، وأتحدث عن إنجازات فخامته بعد عام من العهدة الرابعة..
نعم بصدق قرّرت اليوم ذلك، لكن بمجرد أن بدأت في قراءة الأخبار، حدث لي كما حدث لذلك الجزائري في سنوات الثمانينات، عندما اتفق مع صديقه على أن يتوقفا عن “التمنشير” أي النقد، ومن ينقض بالاتفاق يدفع 100 دينار للآخر، لكن بمجرد أن مر عليهما رجل يرتدي بدلة (كوستيم) مع حذاء رياضي، بدأ كل واحد يقول للآخر، خذ 100 دينار ودعني “أمنشر” أولا..
وأنا أقول لهذا القارئ خذ راتبي ودعني أنتقد، لأن هناك أمورا في الجزائر تجعلك “تنطق من جنبك”، خاصة بعد انخفاض سعر برميل البترول، وكأن الهوس أصاب أعضاء الحكومة.. كيف لا تنتقد حين تسمع تلك الإعلانات الفضفاضة، وتصريح وزير التجارة عمارة بن يونس عن إطلاق حملة “استهلك جزائري”، أو حملة لتشجيع المنتج المحلي.
أيها الجزائريون استهلكوا جزائري لتدعموا الاقتصاد الوطني والإنتاج المحلي.. كفاكم أيها الجزائريون من شراء سيارات “فولسفاغن” الفاخرة. توقفوا عن اقتناء الساعات السويسرية الغالية “رولكس”، ولم لا تلبسون الألبسة الجزائرية المحلية بدل من “بيار كاردان” و “ديور” و “إيف سان لوران”؟ ما بكم أيها الجزائريون لا تلبسون أحذية محلية وتفضلون الحذاء الإيطالي الغالي. أيها الجزائريون لم تستهلكون الشيكولاطة البلجيكة وهناك الجزائرية الرائعة؟ أيتها النساء الجزائريات، لم لا تتوقفن عن استعمال علامات التجميل باهظة الثمن كـ “لوريال” و “لونكوم” وتستعملن بدلها الإنتاج المحلي؟ هو أفضل لجمالكن وأناقتكن.. توقفوا عن وضع العطور الفرنسية الغالية، وتوقفوا أيها الجزائريون عن أكل “الكافيار” وكلوا السردين المحلي (حتى هذا وغالي).
وحتى لا أنسى توقفوا أيها الجزائريون عن قضاء عطلكم في دبي وإسبانيا وباريس وأمريكا واليونان، واصرفوا أموالكم في الصحراء وشواطئ القل وجيجل وعنابة ومستغانم ودلس وعين الدفلى وبومرداس وتيشي وأزفون..
نعم الوزير بن يونس يكلم الجزائريين من منطق ما يراه ممن هم حوله، يعتقد أن الوزراء والمسؤولين ورجال الأعمال وبعض السياسيين الذين يلتقي بهم هم الشعب الجزائري الذي يوجه إليه الحملة، بأن يستهلك جزائري. أيها الوزير.. إن الشعب الجزائري لم يجد ما يأكل من المحلي، فكيف بدر إلى ذهنك أنه يستهلك المنتج الأجنبي، حتى السردين المحلي جدا، وهو من عند الله، أصبح غاليا عليه. أعتقد لو قمت بحملتك وسط من هم حولك وأبنائهم وبناتهم ونسائهم لكان أفضل. 10% فقط من الجزائريين عليك أن توجه إليهم رسالتك، أما باقي الشعب فهو مرغم على استهلاك ما هو موجود محلي أو مستورد من الدرجة الثالثة والرابعة، ولو كان غير مطابق لمعايير الاستهلاك العالمية. ينبغي سيدي الوزير أن توجه كلامك إلى من يمسكون بزمام أمورنا وتطالبهم بأن يتحلوا أكثر بالوعي ويتبعوا سياسة تقشف حقيقية بدلا من الشعب.
ما تقوله سيدي الوزير ينطبق عليه المثل القائل “ما خص العميا إلا الكحل”. أين الإنتاج الجزائري الذي يستحق الاستهلاك؟ إلا بعض المنتجات الغذائية المحترمة التي يستهلكها الجزائري دون حملتكم، لأنه لا يجد عوضا عنها.. أين الإنتاج الجزائري؟ وإن كان موجودا فلم حاربتموه وقيدتم تطوره مقابل دعم بارونات الاستيراد..
وفي الأخير أتمنى أن تطلقوا بدل حملة “استهلك جزائري” موجهة إلى الشعب، حملة “أنتج جزائري” موجهة إلى النظام وحكومته، لأنه لا يمكن أن نطالب الجزائري باستهلاك ما هو غير موجود.
*كاتبة جزائرية/”الخبر”