التّفاصيل المثيرة التي كشفتها التحقيقات الخاصة بفضيحة سوناطراك 1 تكشف أن ما حدث من فساد وتلاعب كان أخطر بكثير مما حدث في فضيحة الخليفة، لأن الأمر يتعلق بالشركة التي تتصرف في ثروات البلاد وفي المصدر الأساسي لقوت الجزائريين بعد فشل السياسات المتعاقبة في المرور إلى اقتصاد لا يعتمد على الريع.
لقد تواطأ قلة من المسؤولين وأفراد عائلاتهم على جملة من الممارسات المتمثلة في تقديم تنازلات كبيرة لشركات أجنبية مقابل منافع شخصية.. فبأي حق يحصل نجل المدير الأسبق لسوناطراك على وظيفة مستشار بشركة أجنبية حيث يتم مسح ديون على هذه الشّركة تفوق 450 مليار سنتيم؟ وبأي حق يحصل المدعو فريد بجاوي على 3 بالمائة من كل صفقة تحصل عليها شركة “سايبام” الإيطالية مع سوناطراك، على ما تعنيه نسبة 3 بالمائة من مبالغ طائلة؟ لأن الأمر يتعلق بمشاريع تكلفتها ملايين الدولارات!
وهذه الحقائق لا تساوي شيئا أمام ما كشفته التّحقيقات التي أجرتها محكمة القطب الاقتصادي بباريس في ذات القضية والتي كشفت امتلاك بعض المتهمين في الملف لأرصدة مالية ومنقولات عقارية بباريس، ناجمة عن وقائع فساد كانت سوناطراك ضحية لها.. ومن بين هذه العقارات شقة بقيمة قرابة 7 ملايير سنتيم، تعود ملكيتها لزوجة الرّئيس العام الأسبق لسوناطراك، وأنّها حصلت عليها بطرق ملتوية.
ونحن على موعد مع المزيد من الحقائق خلال جلسات المحاكمة، خصوصا أن قائمة طويلة من الشّهود توفق 100 شاهد، سيكشفون طرق وأساليب نهب المال العام على طريقة ما حدث في محاكمة الخليفة حين تم الكشف عن طرق بدائية في السرقة والتحايل إلى درجة أن المتهمين كانوا يتعاملون بالملايير دون وثائق، وكان يتم التعامل بـ”الشكارة” في أموال المودعين ببنك الخليفة وأغلبهم صناديق اجتماعية.
بهذه الطّريقة كان يتم استغلال النّفوذ للحصول على رشاو وعمولات بالملايير من قبل المحيطين بالمدير العام السابق لسوناطراك، وما خفي أعظم، ولا مؤشر على أنّ هذه الممارسات توقّفت في المؤسسات الوطنية، بل إن الفساد مستمر، وما نشهده هو انكشاف ما حدث خلال السنوات السابقة، وسينكشف ما يحدث هذه الأيام خلال السنوات المقبلة. وهكذا تستمر عجلة الفساد في مقابل توقف عجلة التنمية.. وعليه لا عجب أن يجوع الجزائريون أمام الارتفاع المذهل للأسعار، الناتج عن التّضخم.
*كاتب جزائري/”الشروق”