شدني، الأسبوع الماضي، مثل غيري من الجزائريين، تصريح الوزير الأول، عبد المالك سلال، للصحافيين، على هامش افتتاح الدورة الربيعية للبرلمان، عندما قال بأن “الحالة راهي لا باس في تمنراست”، بعد تصاعد الاحتجاجات المناهضة لاستغلال الغاز الصخري وتدخل رجال الأمن ثم قائد الناحية العسكرية السادسة لتهدئة الأوضاع وكأن المنطقة تمر بأزمة تتطلب حلا أمنيا!
عندما يقول الوزير الأول ومن معه من المنتفعين والمطبلين بأن “الحالة راهي لا بأس” في تمنراست فإننا لا نملك نحن سوى القول إن “الحالة راهي لا باس” في كل الجزائر وفي كل القطاعات بعد انخفاض أسعار النفط وانخفاض قيمة الدينار وارتفاع أسعار المواد الغذائية وتدهور القدرة الشرائية وانتشار الفساد والنهب وتراجع القيم والأخلاق، وبعد تراجع دور المؤسسات لحساب بارونات السياسة والمال ومحيطهم الفاسد.
”الحالة راهي لا بأس” في منطقة لا نتذكرها سوى عندما نريد استغلال ثرواتها، ولا نتذكر أهلها إلا بمناسبة الانتخابات، وعندما يخرجون للاحتجاج بالطرق السلمية نبقى نتفرج عليهم ونستفزهم بالإصرار على مواصلة الاستكشاف، أو نقوم بشيطنتهم واتهامهم بالعمالة للخارج وبأن الأيادي الأجنبية هي التي تحركهم.
يبدو أن “الحالة راهي لا بأس” فعلا مادام البرلمان قد تحول إلى لجنة مساندة للحكومة لا يحرجها ولا يزعجها حتى ولو احترقت الجزائر واستمر التحايل والتراجع وارتفعت حدة الاحتجاجات في مختلف القطاعات، وحتى ولو مات نصف الشعب هما وغما على وضع بائس تسبب به الفاشلون الذين لا يعون بأن رداءتهم ستؤدي بنا إلى الكارثة أمام أعين برلمانيين لا يرون ولا يسمعون شيئا.
”الحالة راهي لا باس” في قطاع التربية المشلول بسبب إضرابات عمال القطاع وتعنت الوزارة التي تدفع بالأوضاع إلى التعفن إلى درجة بلغ فيها عدد المضربين 30 ألف مضرب مقابل مليون تلميذ يوجدون في الشارع منذ أسابيع دون أن تتحرك السلطة وكأن الأمر لا يعنيها، أو كأنها لا تريد أن تنزل إلى مستوى عمال التربية والأساتذة والتلاميذ وأوليائهم.
”الحالة راهي لا باس” أيضا في المدن الداخلية وفي القرى والأرياف التي تعاني ويلات البرد والفقر والجهل وانقطاع الماء والكهرباء. و”الحالة راهي لا باس” في المدن الكبرى التي غرقت في الأوساخ وكل أنواع الجريمة، وفي طرقنا التي تقتل المئات من الأشخاص بسبب حوادث المرور بعد أن صرفنا لأجلها ملايير الدولارات!
”الحالة راهي لا بأس” أيضا في ملاعبنا التي لم تتخلص من شبح العنف، و”راهي لا باس” في كل الرياضات التي تراجعت فيها الممارسة والنتائج، وتدهورت مرافقها إلى درجة لم يعد بالإمكان إنقاذ ما يمكن إنقاذه نتيجة التسيب الحاصل في قطاع الرياضة وقطاعات أخرى لن تكفي هذه المساحة للحديث عنها كلها.
سيقولون لنا في هذا الثامن مارس إن المرأة الجزائرية الأم والأخت والزوجة “راهي لا بأس” في البيوت والشوارع والمؤسسات، ولا تعاني التمييز والتحرش والجهل وكل أشكال “الحڤرة”. ويقولون عنها إنها تعيش أزهى عهدها في زمن العزة والكرامة بعدما استفادت من حزمة قوانين بعضها مهين للمرأة والأسرة والمجتمع ككل!
عندما تصل بهم الجرأة إلى الكذب والإعلان من قلب قبة البرلمان أمام ممثلي الشعب بأن “الحالة راهي لا باس” في تمنراست وفي الجزائر ككل، فإنهم يعطوننا الانطباع أنهم يعيشون في بلد آخر أو يحكمون شعبا آخر ويفكرون بمنطق آخر، كيف لا وهم الذين قالوا لنا: “ينعل بو اللي مايحبناش”.. وقالوا أيضا إنهم “هم الوطن وهم الدولة” ونحن العملاء والخونة والمفسدون، وقد يصل بهم الأمر إلى اتهام من يعارضهم بأنه كافر يستحق تطبيق حَدِّ الردّة عن الدين!
*صحفي جزائري/”الشروق”