حسم مجلس النواب الليبي الجدل الدائر حول شخصية اللواء المتقاعد خليفة حفتر بتعيينه قائداً عاماً للجيش وترقيته إلى رتبة فريق، كما قرر استئناف المشاركة في الحوار الوطني برعاية الأمم المتحدة، ليحقق بذلك هدفين، الأول عسكري يتعلق بتوحيد الجبهة ضد الجماعات المتطرفة وميليشيات “فجر ليبيا”، والثاني سياسي ويتصل بموقف متجانس من جهود إيجاد حل سلمي بين السلطات الشرعية والجماعات الخارجة عنها.
توحيد كتائب الجيش الوطني وكتائب “معركة الكرامة” تحت قيادة حفتر سيعزز قوة الحكومة الشرعية ويحدث تغييراً في الميزان القتالي، وربما يعطي فرصة فعلية لنجاح المساعي السياسية لإحلال السلام في البلاد، على الرغم من أن هناك قناعة راسخة بأن الجماعات المتطرفة لا تنفع معها مفاوضات أو وساطات . إذ كلما تم اتفاق لوقف إطلاق النار، سرعان ما يتم خرقه، وآخر الدلائل الإعلان الأخير الاثنين حينما وافق مجلس النواب على وقف المعارك استجابة لإلحاح الوسيط الدولي برنارد ليون، بيد أن الميليشيات لم تمتثل فهاجمت مطار الزنتان في الغرب، الأمر الذي استدعى رداً من الجيش، وبالتالي انهيار الاتفاق وإصابة الوساطة الدولية بالإحباط.
هذا الدليل يؤكد مجدداً أن الحوار في ليبيا لا يمكن أن ينجح، فالمفاوضات الحقيقية تتم عادة بين طرفين أو أكثر يتفقان على الهدف ويختلفان في المنطلقات والمنهج، أما الجاري في ليبيا فعكس ذلك تماماً، وهو أشبه بمن يسعى لفرض مفاوضات بين البنزين والنار اللذين يستحيل تعايشهما على الإطلاق . وبلغة بعيدة عن الاستعارة، فإن “فجر ليبيا” والكثير من الجماعات الإرهابية المنضمة تحت لوائها ليس وارداً لديها الانصياع إلى الشرعية الوطنية، وترى في حكومة طبرق والجيش عدواً لدوداً لا يمكن القبول به . ولهذا السبب فإن تأكيد المسؤولين الليبيين بأن المفاوضات لا جدوى منها، يعود إلى أنهم يعرفون خصمهم جيداً وهم أدرى بمشروعه وتفاصيله.
هذا الوضع يستدعي من الحكومة الليبية المعترف بها دولياً بناء قواتها العسكرية واستنفار كل الإمكانات المتوافرة لديها . ومن المعلوم أن تأخر الحسم العسكري ضد الميليشيات لنحو 10 أشهر يعود إلى تباين الخطط بين الجيش الوطني وقوات اللواء حفتر وكتائب أخرى منها كتائب الزنتان في الغرب . فهذه الجبهة ظلت تقاتل من دون قيادة موحدة، بل إن الواقع الليبي يؤكد أن هذه القوى المختلفة مؤهلة لدخول حروب فيما بينها إذا استطاعت، فرضاً، القضاء على خصومها الحاليين سواء بالقتال أو بالمفاوضات.
تعيين اللواء حفتر قائداً للجيش الليبي وعودته رسمياً إلى لعب دور سياسي كبير قد يصنع منه زعيماً قوياً تحتاجه ليبيا في الوقت الحالي . ولكن ما هو أهم من الزعامة القدرة على جمع الفصائل المسلحة الحكومية والحليفة لها ضمن جسم شرعي واحد، وإذا كان الجيش الليبي الحالي يوصف بأنه ضعيف بينما هناك كتائب في البلاد أقوى منه عدداً وعدة، فذلك عائد إلى غياب قيادة تستطيع أن تضم كتائب كثيرة في الزنتان والزاوية والكفرة وسرت إلى الجيش . وهذه المهمة لا تتم بالقوة بقدر ما تستدعي سياسة فذة تتطلب الصبر والحكمة . وحينها يمكن للوضع أن يتغير جذرياً في ليبيا وتصبح الأطراف الحالمة بدولة مدنية خالية من الإرهاب والتطرف هي القوة الغالبة وصاحبة الإرادة في المستقبل.
*كاتب صحفي/”الخليج”