أين منا أيام زمان؟ أيام كنا نستفتح يومنا على خير، نستنشق عطر الصباح مع أغاني فيروز ” طلعت يا محلا نورها شمس الشموسية” نستبشر ونستبصر، وتدب في أجسادنا أريحية ونهضة، تبعث فينا الأمل وحب العمل، فنقبل على الحياة بمتعة وبهجة، نسمات بزوغ الفجر العليلة، وخيوط الشمس المنبعثة من جنبات الأفق تتسلل إلى أجسادنا بالدفء كل تلك الصباحات الضاحكة صارت ذكريات، وأضحت قصصا وأحلاما، غاب سناها وطويت ذكرها، لتحل محلها أصوات انفجار القنابل وأزيز القصف ودوي المدافع وتراشق الطلقات، وعلى وقعها تتوالى الأخبار والأنباء بإعداد الضحايا بالأرقام، حتى أضحى الإنسان رقما ضمن متواليات الأرقام التي لا تحصى لكثرتها، ولم تعد تجلب لنا الإذاعات والفضائيات إلا مثيرات الهم الغم. وصور الرعب وسفك الدم.
اليوم ويا للأسف! ويا للهول! ننام ونصحو على أخبار القتل، وأحداث القصف وضحايا التفجيرات، ومشاهد المهجرين كل نشرات أخبارنا ومتابعات فضائياتنا تصطبغ بلون الدم القاني، وبرائحة البارود الأسود، وألسنة اللهب الأزرق. وبقايا الجثث المقطعة، وحطام السيارات المحترقة والدور المتهدمة، أضحت قصص الموت وأخباره ومشاهده جزءا من لعب التسلي وقضاء الوقت، حتى أطفالنا أمسوا يتتبعون صور اللحم البشري المتناثر والأعضاء المتناثرة والجثث المحترقة في رسوماتهم العفوية، صار العنف جزءا من غذاء مدخلاتنا الثقافية والدينية وممارستنا اليومية الجدلية، حتى على منابر الجمعة يحلل هذا ويحرم ذاك بجزم وحزم فمن لم يكن معنا كان ضدنا، ولم يعد القتل يثير حفيظة احد وقد تبلدت الأحاسيس، فالموت المجاني أصبح يتلى على فضائياتنا بالمئات والعشرات دون اعتبار للقيمة الإنسانية التي تهدر بالموت العمد، وبات قتل الإنسان أسهل بكثير من قتل الكلاب والقطط السائبة. فمنظمات الدفاع عن حقوق الحيوان لا تتهم بالتحيز مثلما تتهم منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان لتبرير الجرائم ضد البشرية.
قتل امرئ بغابةٍ، جريمةٌ لا تُغتَفر، وقتل شعبٍ آمنٍ، مسأَلةٌ فيها نظر
ضحية العنف والإرهاب شعبنا العربي في كل أقطاره في فلسطين وغزة، في العراق، في سوريا، في ليبيا واليمن ومصر والصومال وتونس ولبنان والسودان، شعبنا هو الضحية، شعبنا العربي بكل مكوناته المسيحي، والأزيدي والصابئي والدرزي. الضحية شعبنا المسلم، السني والشيعي والعلوي والزيدي والسلفي، شعبنا العربي هو الضحية بكل أحزابه السياسية، اليسارية واليمينية، الشيعيون والبعثيون والإخوان والناصريون، شعبنا العربي بكل قوى العنف والتطرف والخارجين على القانون فيه كالقاعدة وداعش والحوثيون وحزب الله وحزب الدعوة وعشرات التنظيمات المقاتلة الأخرى هؤلاء هم ضحايا أيضا، ضحايا الجهل والفقر والتخلف، ضحايا العصبية والعنصرية والطائفية والتطرف، ضحايا الفساد والظلم وثقافة العنف والكبت، وبالتالي نحن أبناء الوطن العربي، الشعب الذي يخسر طاقاته، الذي يخسر إمكاناته، ومن يخسر أبناءه، كانوا صغارا فكبرهم الوطن، وكانوا جهلاء فعلمهم، وكانوا أحياء فقتلهم، نحن من يعمر بيد ويدمر ما عمره بالأخرى، لا أقول هذا شفقة على المجرمين ولا دفاعا عن الإرهابيين، أقولها لأنه لا يمكن قتل مئات وآلاف المجرمين من غير أن نفقد ضحايا مقابلهم من المخلصين الطيبين، وأبرياء من الأطفال يدفعون الثمن بين أرجل هؤلاء وهؤلاء. لماذا لا نرى مدنا تقصف على رؤوس ساكنها في غير بلادنا؟ لماذا يهجر أبنائنا أوطانهم من بين شعوب العالم؟ لماذا يهجّر بعضنا بعضا؟ لماذا نجوع ونعرى وأموالنا تطعم غيرنا وتكسوه؟
نحن العرب المسلمين اليوم بنظر المعسكرين الغربي والشرقي إرهابيون متطرفون نسعى خلف العنف، أ تدرون لماذا، لأننا نقابل بعضنا بالسلاح الذي باعوه وصدّروه لنا، هم يصنعون آلة القتل ونحن نشتريها! فيصبحون هم أنصار السلام، والحمائم البيضاء، لا يفعلون غير صنع السلاح ونشره بين الشعوب المتخلفة لتتقاتل به! أما نحن في دول العالم الثالث فنشتريه بتعب اليمين وعرق الجبين ليقتل الاخ أخاه بالمجان! وبحسبة بسيطة لو بحثنا عن المستفيد عرفنا أعداءنا، وعرفنا من يقف خلف الفتنة، وخلف المجزرة من تجار السلاح ولأيقنا أن خلف كل ما يجري هي الدول التي تزعم أنها متقدمة تكنولوجيا، ولكنها متخلفة إنسانيا، ولو عرف شبابنا الشارد عن الطوق، المخدوع بسياسة العنف ألا أحد يخسر غيرنا، ولا يستفيد إلا عدونا، لحرم على نفسه استخدام السلاح، ولتجنبنا سياسة العنف، ولبنينا أوطاننا عوض تدميرها، فمتى يدرك سياسيونا وناشطونا وقادتنا وشبابنا نحن بحاجة إلى ثقافة السلام، ثقافة التآخي والوئام، ثقافة بناء الأوطان، ثقافة التفاهم والعيش المشترك، ثقافة الإنسان أخو الإنسان أحب أم كره، ثقافة إ من لم يكن أخاك بالدين فنظيرك في الخلق. فهل آن لنا معرفة الطريق الذي يعيد لنا ليالينا الآمنة؟ وأيامنا الجميلة ويوقف نزف الدم وسبيل القتل العمد، والمتنبي الشاعر الحكيم يقول:
الرَأيُ قَبلَ شَجاعَةِ الشُجعانِ هُوَ أَوَّلٌ وَهِيَ المَحَلُّ الثاني
“البلاد” البحرينية