المرزوقي: من رئاسة الجمهورية إلى ترؤس المعارضة

وحدها المقاربة النفسيّة المبنية على حبّ التملك والولع بالقيادة والسيادة والريادة هي القادرة على تفسير المسلكية السياسية لقائد حزب المؤتمر من أجل الجمهورية محمد المنصف المرزوقي، الذي فشل في الوصول إلى رئاسة السلطة فاختار “رئاسة” المعارضة، فعوض توجيه رسالة سياسية حصيفة للرئيس المنتخب الباجي قائد السبسي بضرورة الاستجابة لتطلعات مليون وثلاث مئة ألف صوت اختاروا المرزوقي ملاذا انتخابيا، اختار الأخير استثمار هذا الخزان الاقتراعي بطريقة حزبية ضيقة ومبتسرة.
يريد المرزوقي الانتقال من “رئاسة” الجمهورية، إلى “رئاسة” المعارضة وكأنّ الأصوات التي جمعها في الدورين الرئاسيين تعود أصالة لبرنامجه الانتخابي، في حين أنّ أوراق الاقتراع تحمل اسمه وصورته “وكالة”، واسم طرف سياسي وشعاره أيضا “أصالة”… وأنّه بمجرد الانتهاء من الدور الانتخابي الثاني ستعود هذه الأصوات إلى مربعها “الأيديولوجي” الأوّل.
صحيح أنّ المرزوقي تمكن من جمع شتات الخائفين من “غول” التغوّل السياسي من نداء تونس، كما استطاع اللعب على أوتار التخويف من عودة نظام الاستبداد والفساد في تونس، الأمر الذي مكّنه من “قلوب” الحيارى التونسيين لا من عقولهم، إلا أنّه لا يستطيع تحويل هذا الرصيد الاقتراعي إلى مشروع سياسي أو حتى مظلة سياسية واسعة تجمع الفاشلين في استحقاق الدولة، بالخاسرين في استحقاق الانتخاب.
العجز عن تحويل الفعل الاقتراعي إلى تحرك سياسي يعود إلى 3 أسباب رئيسية وهي:
الأول أنّ نسبة من المصوتين للمرزوقي هي في تناقض إيديولوجي جذري مع السبسي، أكثر من كونها مؤمنة برئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، وبالتالي فإنّها لن تنخرط في أي مشروع سياسي يقوده المرزوقي.
الثاني أنّ نسبة من المصوتين للمرزوقي هي نسبة أيديولوجية حزبية منظمة، اصطفت وراء المرزوقي بقرار سياسي مهيكل، وأي انخراط في مشروعه لابدّ أن يكون نابعا من قياداتها السياسية التي قد لا تتقاطع مع حزب المؤتمر في مستوى الأفكار والمشاريع.
الثالث أنّ الخزان الانتخابي للمرزوقي غير مسنود نيابيا، وبالتالي فإنّ مشروعه لن يبلغ درجة اتخاذ القرار ولا مستوى الاقتراح، وقد يبقى محبوسا في “الانفعال” الاحتجاجي لقرارات الحكومة القادمة.
من حق المرزوقي أنّ يتأسى بالسبسي الذي بدأ مسيرة العودة إلى السلطة عبر إطلاق حركة نداء تونس. من حق المرزوقي الاعتبار من “التفكير” البورقيبي المرحلي الذي انطلق من اعتصام في ساحة باردو وانتهى بإسقاط الترويكا “نهائيا” من سدة السلطة، ولكن لابدّ أن يستوعب المرزوقي أن فكرة التغيير وإنقاذ الدولة هي التي جاءت بنداء تونس والسبسي وليس العكس، فليس الباجي هو الذي أتى بالإنقاذ وإنما الإنقاذ هو الذي جاء به إلى سدة السلطة في مرحلتين من عمر الثورة التونسية.
وإن كانت اللحظة التاريخية هي التي أسعفت السبسي وحركته، فإنّ الحالة التاريخية لا تستوعب رجلين ومفهومين للدولة والمعارضة، فالتاريخ مثل “الزواج الكاثوليكي” يعرف الأفراد ويعترف بالذواتات ويعرّف الجماعات بالأفراد، ولا يدخل في معجمه الجماعات والقبائل والأقليات، فذلك هو عمل الجغرافيا وليس التّاريخ.
من مفارقات الحالة التونسية أنّ المعارضة تتشكل قبل الحكومة، وأنّ القوى الموازية تتألّف قبل التأليف الحكوميّ وقبل تنصيب الرئيس، والمفارقة الأغرب أنّ “معارضة المعارضة” تتشكّل قبل ظهور التحالفات الحكومية وفسيفسائية الأحزاب السياسية.
أليس من باب “التفاؤل” أن يستوعب المرزوقي حالة الغضب لدى أنصاره في حركة سياسية تحت مسمى “حراك شعب المواطنين” فينصرف الاعتداء والحرق إلى فعل سياسي حرّ ومسؤول، ثمّ أليس من باب “التشاؤم” أن تبقى البلاد محشورة في استقطاب بين “حركات” ثلاث، واحدة دينية نهضوية، وثانية بورقيبية ندائية، وثالثة “مرزوقية” تعيش على هامش الأولى والثانية؟ أليس من باب “التشاؤل” – وفق عبارة إميل حبيبي – أن ينهزم حزب في الانتخابات التشريعية، وهو سباق البرامج والمشاريع والأفكار والمقاربات الجماعية، ويحقق ذات الحزب نتائج باهرة في الانتخابات الرئاسية، وهو سباق الأفراد وتسابق الكاريزمات السياسية.

*كاتب وصحفي تونسي/”العرب”

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *