… هذا هو السؤال المتأنّي الذي من المفترض أن يبادر الى طرحه كل اللاعبين السياسيين اليوم..
المبادرة التي قدمها السيد المنصف المرزوقي، في حشد المواطنين الذين جاؤوا كثّرا، وهم جزء من ناخبيه الذين بلغ عددهم 44٪ ونيف، من المفترض أن لا تجعل المراقبين والسياسيين، يزوغون عن الاستحقاق الرّئيس، ونقصد السؤال القائل: من يقف وراء المرزوقي اليوم، وهو يطلق مبادرته بالإعلان عن حراك شعب المواطنين؟
بعد ثلاثة أيام من إطلاق المرشح الثاني للرئاسية، لمبادرته المذكورة آنفا، مازال المجتمع السياسي يناقش المسألة من زاوية: كيف فعل المرزوقي هذا؟ وضدّ من جاء إعلانه هذا؟ وما علاقة مبادرة المرزوقي بالنهضة وبالنداء..؟ الى غير هذه الأسئلة، وهي كثيرة وتنتمي كلّها الى نفس البوتقة، لتنتج موقفين متنافرين: فالموقف الأول فيه غضب على ما أتاه المرزوقي من «نكران للجميل» تجاه النهضة.. والموقف الثاني فيه تشفّ من الذي أعطى صكّا على بياض للمرزوقي في الاستحقاق الرئاسي..
لكن لا أحد رأيناه يعطي أهمية تذكر الى هذا الموضوع: كيف وصل المرزوقي الى هذه المرتبة، من نيل ثقة الـ44٪ من الناخبين في الدورة الثانية للرئاسية، ومن هم هؤلاء الناخبون؟ ولماذا أقنعهم المرزوقي المرشح للرئاسة، حيث أخفق حزبه (المؤتمر) في تأمين عدد من مقاعد مجلس نواب الشعب بما يتيح له أن يكون لاعبا قويا داخل الجهاز التشريعي؟
بل لا أحد سأل عن المشهد السياسي في تونس اليوم، هل هو مشهد مستقرّ باستقرار مكوّناته من الأحزاب والسّلط، أم هو مشهد متحرّك؟
الحقيقة، تجد مبادرة المرزوقي أهميتها من عاملين اثنين: أولهما أن الطبيعة تأبى الفراغ، وأن ناخبي حركة النهضة أساسا، رفضوا الجلوس على بنك الانتظار أو الاحتياط، مثلما أنبأت به سياسة النهضة في ما يخصّ الاستحقاق الرئاسي، حيث أبت كحزب منتشر على الأرض أن تدخل السّباق الرئاسي لا بمرشح ولا بموقف داعم لمرشح من خارج صفوفها.. ولئن كان هذا الموقف مفهوما في الدور الأول للرئاسية فإنه ليس كذلك في الدور الثاني حين انحسر السباق في مرشحين اثنين مثلما ينصّ عليه القانون.
أما ثاني العاملين المذكورين آنفا، فيهمّ طريقة استغلال المرزوقي لظرف تميّز بزخم شعبي لا يُستهان به، رافق حملته الانتخابية وباح به الصندوق في ما بعد. إذ لم يعد ممكنا تجيير ذاك العدد من الناخبين الى جراب النهضة، فالناخب ليس قطعة مال تُقترض ثم تُعاد لمن أقرضك..
إن السؤال الرئيس الذي من شأنه أن يوضّح الأهداف والمشهد يتمثل في معرفة من يقف وراء المرزوقي؟ لأن الرجل لا يعدو أن يكون واجهة لتغيير كبير سيطال المشهد السياسي التونسي ومكوّناته.. الذي يقف وراء المرزوقي في مبادرته المذكورة، هو لاعب كبير.. وداهية أكبر.. قد يكون التقاؤه مع شخصية المرزوقي عبارة عن ضالّة كان يبحث عنها اللاعب.. منذ مدّة..
*باحثة في الإعلام والاتّصال والعلوم السّياسيّة/ ”الشروق” التونسية