حين يعلن رئيس ما يسمى حكومة “الإنقاذ الوطني” في طرابلس عمر الحاسي الحرب على الحكومة المنتخبة، ثم تعلن إحدى جماعاته المسلحة الانشقاق عنه والانضمام إلى الجيش الوطني، فذلك كاف ليؤكد أن هيمنة الميليشيات على العاصمة الليبية بدأت تنكسر، والخناق يضيق أكثر، وإن كانت المعركة مازالت تبدو طويلة.
هناك إشارات قوية على دخول الحرب بين الشرعية الممثلة في حكومة عبدالله الثني والميليشيات المتشددة مرحلة الحسم، فالجيش الليبي الذي يسانده دعم شعبي متزايد يصعد عملياته ضد معسكرات “فجر ليبيا” ومواقع “أنصار الشريعة” الإرهابية في طرابلس، يضاف إلى ذلك أن هناك استنفاراً إقليمياً تحسباً لأمر جلل قد يحدث في ليبيا بين يوم وآخر، فقد رفعت الجزائر وتونس درجة التأهب، وزادت مصر من اليقظة، وسجلت عمليات الرصد من البحر والجو تحركات مسلحة وموجات نزوح جماعية لمدنيين من مناطق القتال . وترسم جميع هذه التفاصيل صورة تفيد، أكثر من أي وقت مضى، بأن الوضع في غاية الصعوبة . وهذا التوصيف أقل ما يمكن أن يطلق على بلد أصبح نصف شعبه مهجراً ومشرداً وهي مأساة فعلية لا يبدو أنها لا تلقى ما تستحق من الاهتمام، فباستثناء بعض المواقف، ليس هناك من تحرك فعلي يساعد على حل الأزمة بالطرق السلمية مثلما كان مأمولاً في السابق.
عمر الحاسي الذي يقود “حكومة” في طرابلس لا يبدو أنه من أنصار العيش في مجتمع دولي تضبطه قوانين وقواعد واتفاقيات، وإلا لما هدد بطرد المبعوث الأممي برناردينو ليون إذا عاد إلى طربلس ضمن تفتيشه عن فرصة للحل السلمي في غابة من الميليشيات والجماعات الإرهابية . وليس مستبعداً أن يقوم الحاسي ومن يمثلهم بطرد ليون أو تهديد سلامته، فهذه العقليات لا تستوعب العمل السياسي ولا تفهم لغة التعايش والتواصل مع من يخالفها الرأي والموقف، خصوصاً إذا كان المدد من وراء الحدود لا يتوقف . فتركيا، التي أصبحت وكيلة الإسلام السياسي بعد اندحاره في أكثر من معركة، لا تتوانى عن دعم الميليشيات المتطرفة في ليبيا باعتبارها ورقتها الأخيرة تقريباً في شمال إفريقيا . وفي الآونة الأخيرة عززت أنقرة صلتها بمن يعتبرهم غالبية الليبيين خارجين على الشرعية، بل إنها استشاطت غضباً عندما قصفت مقاتلات الجيش مطار “امعيتيقة” الوحيد في طرابلس، وهو الرئة الرئيسية للميليشيات لتلقي مختلف أنواع الدعم، سلاحاً وغذاء ومدربين، ومن ذلك المطار أيضاً تصدر تهديدات إرهابية جدية باستخدام طائرات ضد دول الجوار، ومنه تنطلق “صواعق” الإرهابيين للقتال في سوريا والعراق عبر الحليف التركي.
البحث عن حل سياسي لمعضلة ليبيا سيظل عملاً إنسانياً، ولكن تشعب الواقع ووجود عدد لا يحصى من الفاعلين يجعل المهمة شبه مستحيلة، لا سيما وأن الإرهاب وجماعاته قد استفحل بصورة أخطر من أي مكان آخر، وهذه الوضعية تفرض التحرك العسكري ليس لدعم الشرعية الليبية فحسب، وإنما لضمان الأمن الإقليمي، وقد يتم اللجوء إلى بعث قوات حفظ سلام لتأمين أي نتائج يمكن أن تتحقق سياسياً أو عسكرياً . ويبدو أن التلميح الإيطالي إلى هذه الخطوة المحتملة يعني أن هناك قراراً قد اتخذ ويجري العمل لوضعه حيز التطبيق.
*كاتب صحفي/”الخليج” الاماراتية