هل غادر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الجزائر سرا متوجها إلى فرنسا؟ هذا كان سؤالا مطروحا في الأيام الأخيرة. الخبر سربته جريدة “لودوفيني ليبيري” اليومية الفرنسية. أكدت أن الرئيس الجزائري كان موجودا بمستشفى في مدينة غرونوبل لمتابعة ما ترتب عن الجلطة الدماغية التي أصيب بها في أوائل عام 2013.
بوتفليقة غادر عاصمة بلاده دون أن تدلي رئاسة الجمهورية الجزائرية ببيان توضح فيه وجهة الرحلة والغرض منها. الخبر عن صحة الرئيس تجاهله أيضا التلفزيون والإذاعة الرسميين. خبر لا يستحق التعليق، في نظر المسؤولين عن تدبير الملفات بالجزائر.
الواضح أن وجود الرئيس في فرنسا من عدمه لا يهم إلا أصحاب الطبخات السياسية والصفقات المالية. وأولئك الذين يحيكون قائمة الأسماء المقترحة التي ستحكم من قصر المرادية.
وسائل الإعلام الفرنسية كانت سباقة لالتقاط خبر وجود عبد العزيز بوتفليقة في قسم مخصص لعلاج أمراض القلب والأوعية الدموية بعيادة دالمبرت في مدينة غرونوبل. انتشر الخبر وعلى الأرجح بتسريب خفي من أحد فروع الأجهزة المتناحرة المتحكمة في القرار الجزائري.
عندما شاع خبر تواجد بوتفليقة بفرنسا للعلاج. خرج محلل سياسي جزائري على قناة “فرانس 24″، قائلا، بأنه في السابق وبمجرد إقلاع طائرة الرئيس، تنتشر الشرطة ورجال الأمن في الشوارع، وتقام حواجز الدرك على مداخل المدن. لكن الآن لا وجود لأي شيء غير طبيعي بالعاصمة. أما حديث المقاهي يضيف المعلق والكاتب السياسي، فيرتكز على الكرة والأمن والخبز والشغل. لا على مرض الرئيس أو حتى وجوده خارج البلد.
من التعليق نستخلص أن الأجهزة الأمنية ووسائل الإعلام المتواطئة من تريد تمرير فكرة، أن الأهم بالنسبة للجزائريين هو البطن وليس أخبار الرئيس. وإقناع الجميع بأن وجود بوتفليقة من عدمه لا يشكل فارقا. الهدف من وراء هذا التسريب من على قناة فرنسية موجهة للجزائريين، هو كنس أي تأثير لغياب الرئيس قبل شطبه نهائياً بلا ضجة.
دأبت السلطات الجزائرية والفرنسية، على الكتمان حول الملف الصحي للرئيس بوتفليقة. لكن بعد سرطان المعدة، واضطرابات في الكليتين، والجلطة الدماغية التي أفقدته النطق والحركة. ها هي التسريبات الصحفية تؤكد يقيناً أن الرئيس بوتفليقة كان يتعالج في مصلحة أمراض القلب والشرايين بعيادة دالمبرت.
بانتقال بوتفليقة للعلاج عند البروفيسور جاك مونسيجو بعيادة غرونوبل. وهو نفس الطبيب الذي عالجه في مستشفى فال دوغراس العسكري في باريس. يجعلنا نرجح أن الرئيس الجزائري كان مصابا قبل الجلطة بتضيقات شديدة في الشريان السباتي أو الفقري الموجودة بالرقبة والتي توصل الدم إلى الدماغ. كون الجلطات الدماغية طبيا هي ناتجة في الكثير من الحالات عن خلل في عمل عضلة القلب.
وهذا ما أكده البروفسور صحراوي، المتخصص في جراحة المخ والأعصاب، في ابريل 2013 بقوله أن “نقل الرئيس إلى مركز الطب الرياضي المتخصص أكثر في جراحة القلب، يدل على أن الجلطة الدماغية قد تكون نتيجة لضغط في القلب”.
ما يتضمنه حقيقة الملف الطبي لرئيس الجزائر هو أنه كان يعاني من سرطان المعدة منذ العام 2005. وليست قرحة يمكن علاجها كما يدعي الإعلام الجزائري المضلل والتقارير الطبية المخدومة. الكل بات يعرف الحالة المتدهورة لعبد العزيز بوتفليقة. لم يعد الأمر سراً. ولم يعد خافياً أن من يلعب وراء الستار طغمة تحتكر كل مقدرات الدولة.
لقد كذبت الوقائع وحالة بوتفليقة الصحية البروفسور رشيد بوغربال، طبيب بوتفليقة الخاص فيما ذهب إليه في ابريل 2013 عندما صرح بأن”النوبة الدماغية التي تعرض لها الرئيس بوتفليقة، عابرة ولم تترك آثارا”. ما يجعلنا امام تحالف خطير استهدف التعامل بالتواء مع صحة الرئيس وبشكل متعمد للابتزاز السياسي الداخلي والخارجي.
في نوفمبر 2013 صرح المتحدث باسم حزب “جبهة التحرير الوطني” الحزب الحاكم في الجزائر، السعيد بوحجة أن “الرئيس الجزائرى عبد العزيز بوتفليقة سيقدم ملفه الطبي إذا قرر الترشح لفترة رئاسة رابعة”. لكن الاجهزة المتلاعبة بمصير الجزائريين لم تحترم القانون وما تلزمه اللوائح وشروط الترشح للرئاسيات. ولم يقدم فريق الرئيس شهادة طبية تثبت تمتعه بقواه العقلية والبدنية.
الواضح في الملف الطبي لعبد العزيز بوتفليقة أنه لا يتمتع بأدنى شروط القيام بالمهام الرئاسية، اللهم تلك الصور التي تعممها وكالة الأنباء الرسمية. وتؤكد بشكل خفي أن الرئيس أصبح ألعوبة لدى وسائل الإعلام الداخلية لأهداف ملتبسة.
بتصوير بوتفليقة تلفزيونياً يقوم بمهام الرئاسة باستقباله الوزراء والسفراء دون أن يعيقه الكرسي المتحرك. وإظهاره وكأنه يقرر واقعياً في الصغيرة قبل الكبيرة. هو بالأساس تسويق الصورة التي يريدها صناع الرؤساء بالجزائر. الغرض منها يقينا هو تحويل الأنظار عن البحث المعمق في الملفات التي تهم المواطن الجزائري.
رغم أن هناك أصواتاً معارضة قالت بتفعيل المادة 88 من الدستور المتعلقة بإعلان شغور منصب رئيس الجمهورية بعد غياب بوتفليقة المتكرر عن أداء مهامه الدستورية. إلا أن الأجهزة المتحكمة في اللعبة ردت بتمكينه من ولاية رابعة وعلى مرأى من الجميع. إنها حسابات مخابراتية تريد العبث بذهنية الجزائري، وصرفه عن التفكير في مآل الرئيس لتسهيل القبول بالبديل.
ليس صدفة، وبموازاة مع وجود بوتفليقة بفرنسا، أن تتحرك جهات تابعة للجيش عبر قنواتها الإعلامية لكي تتهم، عمار سعداني الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، بالسرقة والتخابر مع دول أجنبية.
الهدف من هذه الحركة مرتبط بحرب التموقع الحاصلة بين أجنحة السلطة منذ سنوات وفي هذا التوقيت، الغرض منها تكسير المتاريس المحيطة بسعداني المُدافع الرسمي عن عبد العزيز بوتفليقة. الشيء الذي يؤكده تحرك سعداني بتهديد نجل وزير الدفاع الأسبق، الجنرال المتقاعد، خالد نزار باللجوء إلى المحكمة العسكرية.
بانتقال بوتفليقة مؤخرا إلى فرنسا دون ضجة. وبرفقة أعضاء من عائلته على ما يبدو. يعطي الانطباع بأن فريق الرئاسة قد بدأ يفقد أهم أسلحته الرابحة في حرب السلطة.
سؤال آخر يطرح نفسه هو لماذا لم يذهب بوتفليقة إلى مستشفى “فال دوغراس” العسكري، الذي دأب على الاستشفاء به منذ 2005. وانتقل الجمعة 15 نوفمبر 2014، للعلاج بمستشفى غرونوبل الجامعي، جنوب فرنسا؟
الاعتبارات كثيرة. منها تقارير الفواتير التي فجرها جيلبار كولارد، النائب عن حزب الجبهة الوطنية الفرنسي اليميني، في الجمعية الوطنية الفرنسية البرلمانية. المتعلقة بفترة علاج الرئيس بوتفليقة، بالمستشفى العسكري الفرنسي والتي كلفت وزارة الدفاع الفرنسية أموالاً طائلة مقتطعة من ميزانية الدولة الفرنسية.
هناك كذلك ما هو متعلق بحسابات ملتبسة وخفية حول أهداف المؤسسة العسكرية الجزائرية بتحويل مكان استشفاء الرئيس بوتفليقة. كون من يأخذ زمام السيطرة بالجزائر هي المؤسسة العسكرية المتحالفة مع أصحاب المصالح بالداخل والخارج.
*كاتب مغربي/”ميدل ايست أونلاين”