عبّرت عدّة أطراف عن تخوّفها من عودة الهيمنة والتغوّل في المشهد السياسي على ضوء فوز حركة نداء تونس بالاغلبية البرلمانيّة والحظوظ التي يتمتّع بها رئيسها الباجي قائد السبسي للوصول إلى كرسي الرئاسة.
وفي الحقيقة فإنّ هذه التخوّفات ليست بالجديدة وقد لازمت الحياة الوطنية منذُ قيام الثورة ولكنّ التطوّرات والمستجدّات طيلة المرحلة الانتقاليّة كانت دائماً تُؤكّد التهاوي المستمر لمثل تلك المخاوف حيث سار المشهد برغم ما عرفهُ من تقلّبات واضطرابات وازمات البعض منها كان على غاية من الحدّة والخطورة على نحو وفّر قدّرا من الارتياح والطمأنينة حول مستقبل المسار الديمقراطي بفضل ما عرفتهُ المنظومة الحزبيّة من وضوح وفرز تثبيتا لقوى فاعلة وذات وزن وتخطّي سلبيات التشتّت في اتجاه اقطاب تعكسُ التنوّع الموجود وتستشرف إمكانيات التداول السلمي على السلطة.
لقد عرفت الحياة الوطنية خلال العامين الماضيين منعرجات ومحطات على غاية من الخطورة، اختلط فيها المحلي بالإقليمي والدولي، ولكن وبفضل وجود حكماء والنجاعة التي أثبتتها المنظمات الوطنية الكبرى والحياد الإيجابي ما مارستهُ المؤسّستان الامنيّة والعسكريّة حيال التجاذبات الحزبيّة أسقط كلّ محاولات الارتداد على المسار الديمقراطي ومكّن من إنهاء المهمّات التأسيسيّة وعلى رأسها الدستور والتشريعات الانتخابيّة والهيئات الوطنية المستقلة وتوفير جميع مستلزمات الانتقال السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع واحترام إرادة الشعب وحماية مكتسب الحريّة وتكريس المزيد من الحماية لحقوق الانسان ورسم التوجهات الوطنية المستقبليّة في اتجاه الإصلاحات الهيكليّة الكبرى وتعديل المنوال التنموي لفائدة الجهات والفئات المحرومة والمهمّشة.
وبعيدا عمّا افرزتهُ الانتخابات التشريعيّة من نتائج وما ستؤول اليه معركة رئاسة الجمهوريّة فقد قطعت بلادنا خطوات عملاقة في الممارسة الديمقراطيّة تجلّت كأبهى ما يكون في اعتراف الجميع بالنتائج وتراجع ثقافة التشكيك وايضا في التهاني المتبادلة بين المنتصرين والمنهزمين.
إنّ الدولة التونسيّة بمؤسساتها المختلفة والمجتمع بقواه الحيّة ونخبه وأحزابه ومنظماته المدنيّة والحقوقيّة يسيران اليوم جنبا إلى جانب في اتجاه استكمال الركن الديمقراطي المفقود، وإنّ ما يرُوج اليوم من مخاوف حول امكانية العودة إلى الوراء حيثُ الهيمنة والتغوّل والانفراد بالحكم أو التسلّط وتهديد مكتسبات وأُسس التعدديّة والحق في الاختلاف لا تعدو أن تكون سوى محاولات سياسويّة في اطار الحملات الانتخابيّة للسباق الرئاسي الذي انطلق أمس.
إنّ فرضيّة السير إلى الخلف أو التراجع عن مكتسبات الثورة في الحريّة وحقوق الانسان أو محاولة استنبات منظومة القمع والاستبداد والفساد من جديد أصبحت اليوم من الصعوبة بمكان في ظل الممانعة الشعبيّة الواسعة ووجود أحزاب ومنظمات مدنيّة قويّة ستبقى سدا منيعا امام كلّ من تسوّل له نفسه التفكير في خرق الدستور او التلاعب بارادة الشعب أو محاولة الهيمنة أو التغوّل.
*كاتب وصحفي تونسي/”الشروق” التونسية