على عكس ما يحدث في سوريا واليمن وليبيا ومصر من تطورات خطيرة تهدد بزوال كلي لهذه الدول، التي شهدت ما يسمى بثورات الربيع العربي، احتفظت الجارة تونس بنموذجها الفريد في الثورة على الاستبداد، والتأسيس لدولة ديمقراطية، تتعاون فيها القوى الفاعلة، أو تمارس الاختلاف في الآراء والبرامج دون أن ينزلق إلى استخدام العنف في التعبير عن الرأي.
وعليه، فإنه من الخطأ المقارنة بين ما حدث في تونس عندما ثار الشعب التونسي سلميا على نظام زين العابدين بن علي، وبين باقي الثورات التي شهدها العالم العربي، والتي كان التدخل الأجنبي فيها واضحا، سواء بالضخ الإعلامي، أو بتحريك منظمات المجتمع المدني، أو بتوريط الأنظمة في ممارسات إجرامية أعطت المبرر للثورة عليها.
لا يمكن المقارنة بين ثوار تونس الذين رفعوا شعار “إذا الشعب يوما أراد الحياة”، بثوار ليبيا الذين هاجموا ثكنة، وصادروا أسلحتها في أول أيام الثورة، ولا مقارنتهم بثوار مصر الذين أسقطوا الرأس وتركوا الدولة العميقة بكل تفاصيلها، ولا مقارنتهم بثوار سوريا الذين تفرقوا مللا ونحلا، وفتحوا بلادهم لكل مخابرات العالم فضيعوا الثورة، ودمروا البلد، وتحولوا إلى كيان أقبح من النظام السوري نفسه.
الثّورة التونسية كانت صناعة أصلية، ونموذجا فريدا لا يمكن تقليده أو استنساخه في بلد آخر، والتجربة أثبتت هذه الحقيقة، وأثبتت أن المستوى التعليمي والثقافي للشعب التونسي جعله يقدم نموذجا رائعا للثورة على الاستبداد، ويتفادى الانزلاق بالشّكل الذي رأيناه في ثورات ليبيا وسوريا.
والفضل يعود للزعيم الحبيب بورڤيبة الذي أسّس لنظام تعليمي هو الأكثر تطورا في العالم العربي، وفضّل استثمار الأموال في العقول لا في استيراد السلاح، كما فعلت باقي الدول العربية، وما يروى في هذا المجال، أن الزعيم الليبي معمر القذافي حذره من التمادي في تعليمه الشعب وتثقيفه، قائلا: “سيأتي اليوم الذي يثور فيه عليك هذا الشعب”، فرد عليه بورقيبة قائلا: “لأَن يثور عليك شعب متعلم أحسن من أن يثور عليك شعب جاهل”.
ودار الزمن دورته وثار الشعبان التونسي والليبي، وفيما يضع التونسيون اللبنات الأخيرة في بناء مؤسسات الدولة، يغرق الليبيون في حرب أهلية تحولت مع واحدة من أغنى الدول العربية إلى دولة مفككة.
كان الربيع تونسيا وسيبقى تونسيا، أما الثورات في باقي الدول العربية، فهي خراب ودمار وليست ربيعا عربيا ولا خريفا.
*كاتب وصحافي جزائري/ “الشروق” الجزائرية
اقرأ أيضا
“لوفيغارو”.. أكثر من 50 ألف مهاجر إفريقي في “مخيمات العار” بتونس
كشفت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، أن أكثر من 50 ألف مهاجر من جنوب الصحراء الكبرى، يقيمون في مخيمات بشمال مدينة صفاقس التونسية في انتظار العبور إلى أوروبا، ويعيشون مثل الحيوانات في ظلال أشجار الزيتون،
تونس.. أحزاب المعارضة تتكثل لمواجهة نظام قيس سعيد
تسعى ائتلافات أحزاب المعارضة في تونس إلى توحيد مساراتها وخلق أرضية تحرك مشتركة في مواجهة نظام الرئيس قيس سعيد إثر نجاحه في تجديد عهدته الرئاسية لولاية جديدة في انتخابات الرئاسة في أكتوبر الماضي.
تونس.. المعارضة تنتقد “الإنجازات الوهمية” لقيس سعيد
تنتقد المعارضة التونسية ما سمته “الإنجازات الوهمية” للرئيس قيس سعيد، على اعتبار أن أغلب الوعود التي قدمها في فترته الرئاسية الأولى لم يتم تحقيقها. ويتواصل الجدل في تونس حول افتتاح “المسبح البلدي” الذي دشنه الرئيس قيس سعيد كأول مشروع في ولايته الرئاسية الجديدة.