رُبّما لو نسأل المتتبِّعين من الجزائريين للحراك السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية، البعيدة عنا آلاف الكيلومترات، لَلَخَّصُوا لنا الفروق الأساسية بين الجمهوريين والديمقراطيين في السياستين الداخلية والخارجية. فالجمهوريون محافظون، مع تخفيض الضرائب، ضد الحرية المطلقة للمرأة، ضد إضفاء الطابع الاجتماعي على الاقتصاد، مع البيض بالدرجة الأولى، ضد هجرة المسلمين ومع “إسرائيل” بشكل صريح… الخ.
أما الديمقراطيون فليبراليون مع إضفاء الطابع الاجتماعي للاقتصاد، مع حرية المرأة التامة، مع الإجهاض و”الزواج” المِثلي، مع الملوّنين من السود والإسبان، وغير مناهضين للهجرة وللجالية المسلمة ومع “إسرائيل” بشكل أقلّ حدة من المحافظين… الخ، ولكننا عندما نسأل نفس الجزائريين عن الفرق بين المعارضة والموالاة في بلدهم، فضلا عن الفرق بين هذا الحزب أو ذاك؟ ففي غالب الأحيان لن يقولوا أكثر من أن هؤلاء مع فلان وهؤلاء ضد فلان، أو حزب هذا الشخص يرفض حزب الشخص الآخر (نسمي الأحزاب بأسماء أصحابها عادة)، أو هذا السياسي له حساباتٌ يريد تصفيتها مع ثالث ورابع، والآخر في علاقة سرِّية مع هذه الجهة في الحكم أو تلك ممثلة في فلان أو فلان، وأحيانا تتم العودة إلى التاريخ القديم والحديث وللحياة الخاصة والسرية لهذا الطرف أو ذاك من خلال أحكام جازمة لمسائل تعد من أكثر الخصوصيات المتعلقة بالأسر والأبناء… الخ.
إقرأ أيضا: سلال يبشر الجزائريين بعهد جديد بعد المصادقة على الدستور
بعبارة واحدة يبدو وكأن الجزائريين لا يفهمون سياسة بلادهم إلا من خلال صراع الأشخاص والملفات الشخصية، في حين يفهمون السياسة الأمريكية، كما ينبغي أن تُفهَم من خلال صراع البرامج والأفكار…
ما الذي تسبَّب في ذلك؟ ولمَ لا تعلو السياسات والأفكار على الأشخاص عند فهم السياسة في بلادنا؟
يبدو أن السبب يتعلق بصانعي السياسات قبل غيرهم؛ فعندما كانت السياسات في الولايات المتحدة تُصنَع على أساس البرامج والرؤى المتنافسة، فهمها الجزائريون على ذلك النحو، وعندما وجدوها تُصنع في بلادهم على أساس الولاءات الشخصية والأحكام القيمية المرتبطة بالخصوصية الفردية فهموها على هذا النحو ومازالوا.
منذ يومين فقط حدث حراكٌ سياسي في البلاد: هل خرج الرأي العام منه بخلاصات عن أفكار وأولويات هؤلاء أم هؤلاء؟ رؤية هؤلاء وهؤلاء للسياستين الداخلية والخارجية؟ أم خرجوا بأحاديث أحيانا ساخرة وأخرى ثانوية وثالثة جارحة عما حدث هنا أو هناك؟
يبدو أن الأمر الثاني هو الذي حدث. ومادام الطرح السياسي في بلادنا لم يرقَ إلى مستوى القدرة على بلورة نفسه من خلال الأفكار والأهداف، فإننا سنبقى في انتظار أن يُصنَع الأمل، ربما بعد حين.
صحفي جزائري/”الشروق”