هل بقاء مشكلة الصحراء المغربية، لأكثر من أربعة عقود بدون حل، يعود لصعوبة المشكلة وعجز المجتمع الدولي عن حلها، أم أن هناك نوايا خفية لإبقاء التوتر بين المغرب والجزائر خدمة لمخططات جيوستراتيجية قادمة؟! وهل يراد تصدير فوضى “الربيع العربي” إلى المغرب العربي، من بوابة مشكلة الصحراء؟ وهل ستتكلف الأمم المتحدة، بوعي منها أوبدون وعي، بهذه المهمة الخطيرة؟!
ففي الزيارة التي قام بها بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة، لمخيمات اللاجئين الصحراويين في الجزائر، والتي وصف أثناءها الصحراء المغربية “الغربية” “بالمحتلة”، عبرت المغرب حكومة وشعبا، عن اندهاشها لمثل تلك التصريحات الغير مسئولة، ولا سيما حين يصدر مثل هذا الكلام عن المسئول الأول في أهم منظمة دولية، وهو المعروف بإلتزامه الصمت عادة، وحين يخرج عنه ينتقى كلامه ويعبرعن “قلقه” تجاه الأوضاع لا أكثر. بان كي مون، السياسي الكوري الجنوبي، الذي كان طموحه منذ أن التقى الرئيس جون كنيدي، بأن يكون دبلوماسيا كما صرح بذلك في الستينات، نشأ وترعرع في أحضان الكنيسة الأمريكية، والتي قادت حملات التبشير في كوريا الجنوبية بين البوذيين، وهو لا زال يرفض الإفصاح عن حقيقة توجهاته الدينية، حيث يرى أنه ليس من المناسب الحديث عن الاعتقاد في الوقت الذي يشغل به منصب الأمين العام للأمم المتحدة، وقال إنه سيكون هناك وقت آخر للحديث عن اعتقاده وأموره الشخصية.
تصريحات بان كي مون، ليست مفاجئة وهي تصب في نفس سياق استهداف الدول العربية والإسلامية تحديدا، والإهانة التي وجهها “مون” ليست للمغرب وللشعب المغربي فقط، وإنما تتجاوز ذلك إلى الأمتين العربية والإسلامية، بعد أن وصل إلى قناعة مطلقة بأن الأمة في أضعف حالاتها، فهو الذي تغاضى كثيرا عن ممارسات الإجرام الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، ولم يصدر أي قرار يلزم إسرائيل بالإنسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة “خيار حل الدولتين”. والأن ينفث سمومه في شمال إفريقيا، لتدمير أي حلم وحدوي عربي، لأنه يعلم مخاطر ذلك على كيان الإحتلال الإسرائيلي.
تصريحات كي مون في الجزائر بتاريخ 12-3- 2016، وقبلها في موريتانيا، حول قضية الصحراء، مثيرة للاستغراب وللتساؤل أيضا، سواء من حيث مضمونها أو من حيث توقيتها. فبعد أربعة عقود من استعادة المغرب للصحراء ودمجها بالتراب الوطني، واندماج مواطنيها في الإطار الوطني المغربي، وتحويلها من صحراء إلى مدن متطورة، وبعد تفهم كثير من دول العالم، بما في ذلك الدول التي سبق أن اعترفت بالجمهورية الصحراوية بواقعية وعقلانية، المبادرة المغربية لحل المسالة الصحراوية، والقائمة على منح الصحراء وضعية حكم ذاتي، يأتي الأمين العام، ليعيد القضية لنقطة الصفر، ويصف الصحراء بالأراضي “المحتلة”، ويدعو لإجراء استفتاء حول الصحراء ليقرر الصحراويون مصيرهم.
إقرأ أيضا: بين الرباط و بان كي مون
إن طرح القضية بهذا الشكل وهذا التوقيت، يثير شكوكا تدفع للربط بين ما يجري من فوضى وإعادة تفتيت لدول “الربيع العربي”، بما يُخطط لدول المغرب العربي من مصير مشابه، وبالتالي احتمال خروج القضية من سياقها إلى سياق الفوضى التي تضرب المنطقة، وفي النهاية لن يستفيد من إثارة القضية لا الصحراويون ولا المغرب ولا الجزائر بل جهات أخرى الكل يعلمها جيدا.
لذا فإن تصريحات الأمين العام، وصفة غير مباشرة لتفجير صراع في المغرب العربي، لن يقتصر على دولة المغرب بل سيمتد للجزائر وموريتانيا وليبيا، وحتى تشاد والنيجر والسنغال، حيث توجد صحاري وصحراويون، وأقليات متعددة تُطالب بالانفصال. إن تم منح سكان الصحراء في المغرب حق الاستفتاء لتقريرالمصير، فما الذي يمنع أن يطالب سكان الصحراء في بقية دول شمال إفريقيا بالمعاملة بالمثل؟ وما الذي يمنع في هذه الحالة أن تستغل جماعات دينية متطرفة، الأمر لتثير حالة من الفوضى والإرهاب.
كاتب صحفي/”الأهرام”