هل ستنتقل فوضى الربيع العربي إلى المغرب العربي من بوابة مشكلة الصحراء؟ وهل ستتكلف الأمم المتحدة، بوعي منها أو بدون وعي، بهذه المهمة الخطيرة؟ وهل بقاء مشكلة الصحراء لأكثر من أربعة عقود بدون حل يعود لصعوبة المشكلة وعجز المنتظم الدولي عن حلها أم هناك نوايا خفية لإبقاء التوتر بين المغرب والجزائر خدمة لمخططات جيوستراتيجية قادمة؟.
دون إنكار أهمية وجود الأمم المتحدة والشرعية الدولية وما قدمتا من خدمات للشعوب المستضعفة وحفظ السلام العالمي، إلا أن كثيرا من مواقفها وسياساتها في الفترة الأخيرة تثير تساؤلات حول مدى التزامها بميثاقها نصا وروحا، ومدى قدرتها على الحفاظ على الرسالة التي وُجِدت من أجلها.
صحيح، إن الدول العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية المنتصرة في الحرب العالمية الثانية والتي كانت وراء تأسيس الأمم المتحدة كانت تسعى للحفاظ على تفوقها وجني ثمن انتصارها بترتيبات دولية تتجنب الخلل في أداء عصبة الأمم السابقة، كما ضَمِنت لنفسها وضعا متميزا داخل الأمم المتحدة من خلال احتكارها لحق النقض أو الفيتو داخل مجلس الأمن.
إلا أن ميثاق الأمم المتحدة وقرارات وبروتوكولات لاحقة وضعت ضوابط ومحددات تضمن السلام العالمي في إطار مبدأ المساواة بين الدول كبيرها وصغيرها، ومبادئ تضمن عدم تَغول الدول الكبرى على الدول والشعوب الصغيرة، مثل حق الدفاع عن النفس، وسياسة تصفية الاستعمار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، بالإضافة إلى حق الشعوب في تقرير مصيرها بما لا يتعارض مع مبدأ سيادة الدول والحفاظ على وحدتها الترابية.
أقرأ أيضا: الولايات المتحدة تصفع بان كي مون وتقف في صف المغرب
هناك حالات متعددة تُظهِر عجز الأمم المتحدة وتنكبها عن دورها الرئيس في حفظ السلام العالمي بل وشبهات عن مشاركتها في سياسة (الفوضى الخلاقة) الامريكية لزعزعة دول المنطقة العربية وإعادة تقسيمها. في هذا السياق يمكن الحديث عن موقفها من القضية الفلسطينية وترك واشنطن لتتفرد بملف التسوية وإدارة الصراع، وموقفها المتواطئ في الحرب والعدوان على العراق، وموقفها السلبي والمتواطئ فيما يجري في دول الربيع العربي، وأخيرا تصريحات بان كي مون حول قضية الصحراء وما تتضمن من دعوة غير مباشرة لنقل الفوضى إلى بقية دول المغرب العربي.
تصريحات الأمين العام بان كي مون في الجزائر يوم 12-3- 2016 وقبلها في موريتانيا حول قضية الصحراء مثيرة للاستغراب وللتساؤلات سواء من حيث مضمونها أو من حيث توقيتها. فبعد أربعة عقود من استعادة المغرب للصحراء ودمجها بالتراب الوطني واندماج مواطنيها في الإطار الوطني المغربي وتحويلها من صحراء إلى مدن متطورة، وبعد تفهم كثير من دول العالم بما في ذلك الدول التي سبق أن اعترفت بالجمهورية الصحراوية بواقعية وعقلانية المبادرة المغربية لحل المسالة الصحراوية والقائمة على منح الصحراء وضعية حكم ذاتي، يأتي الأمين العام ليعيد القضية لنقطة الصفر ويصف الصحراء بالأراضي المحتلة ويدعو لإجراء استفتاء حول الصحراء ليقرر الصحراويون مصيرهم.
إن كنا نتفهم رغبة الأمين العام بحل القضية جذريا وإيجاد حل للمسألة الإنسانية للاجئين في مخيمات موجودة في الجزائر، إلا أن طرح القضية بهذا الشكل وهذا التوقيت يثير شكوكا تدفع للربط بين ما يجري من فوضى وإعادة تفتيت لدول (الربيع العربي)، بما يُخطط لدول المغرب العربي من مصير مشابه، وبالتالي احتمال خروج القضية من سياقها إلى سياق الفوضى التي تضرب المنطقة، وفي النهاية لن يستفيد من إثارة القضية لا الصحراويون ولا المغرب ولا الجزائر بل جهات أخرى.
لذا فإن تصريحات الأمين العام وصفة غير مباشرة لتفجير صراع في المغرب العربي لن يقتصر على دولة المغرب بل سيمتد للجزائر وموريتانيا وليبيا وحتى تشاد والنيجر والسنغال حيث توجد صحاري وصحراويون، وأقليات متعددة تُطالب بالانفصال. إن تم منح سكان الصحراء في المغرب حق الاستفتاء لتقرير المصير فما الذي يمنع أن يطالب سكان الصحراء في بقية دول شمال افريقيا بالمعاملة بالمثل؟ وما الذي يمنع في هذه الحالة أن تستغل جماعات دينية متطرفة الأمر لتثير حالة من الفوضى والإرهاب، فتمتد فوضى الربيع العربي من المشرق العربي إلى المغرب العربي.
أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر – غزة/”الىنبأ”