كلما اقتربت لحظة الهجوم العسكري على تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا، ازدادت مخاوف التونسيين من التداعيات الخطيرة المحتملة على بلادهم التي تمر بأزمة اقتصادية واجتماعية خطيرة. ولهذا السبب، كان الرئيس الباجي قايد السبسي محقاً عندما توجه إلى القادة الغربيين بالقول إن “أي اقتراح حل في ليبيا يجب أن يكون عبر اتفاق بين الدول المجاورة لهذا البلد الشقيق”، مشيراً إلى أن التفكير في التدخل العسكري في ليبيا يجب أن يراعي مصالح الدول المجاورة، وفي مقدمتها تونس. واعتبر أن “استمرار حالة عدم الاستقرار في ليبيا يمثل تهديداً مباشراً لتونس، وعاملاً لإرباك عجلة الاقتصاد فيها”، فتونس تظل “الدولة الأكثر عرضة لتداعيات الأزمة في ليبيا”.
أكدت مقالات سابقة لصاحب هذه السطور أن سنة 2016 ستكون حاسمة من وجهة نظر الغربيين في مواجهة “داعش”، ليس فقط داخل العراق وسورية، وإنما أيضا في اليمن وليبيا. ولهذا، ما يجري في المشرق العربي من ترتيبات مرتبط عضوياً بالترتيبات الجارية حالياً في المغرب العربي، فالعقل الاستراتيجي السياسي والعسكري هو نفسه الذي يتعامل مع المنطقة باعتبارها وحدة غير قابلة للتجزئة. ولأن هذا العقل الغربي سبق له أن ارتكب أخطاء فظيعة في تقديره المخاطر، وفي أسلوبه الذي أدار به العلاقة مع تعقيدات الوضع هنا وهناك، فإن الليبيين والتونسيين، وأيضا الجزائريين، متخوفون من التدخل العسكري المحتمل الذي يستعد له “الحلف الأطلسي” منذ شهور، لأن أي خطأ ترتكبه القيادة العسكرية لهذا التحالف يمكن أن تترتب عنه تغييراتٌ خطيرة وجذرية في هذه الدول، وخصوصاً تونس التي لم تتمكّن حتى الآن من تخفيف درجات الهشاشة التي تلازمها منذ الثورة.
ليست هذه فقط وجهة نظر رئيس الجمهورية المسؤول مباشرة على صياغة الدبلوماسية التونسية، إذ يشاركه هذا الرأي دبلوماسيون تونسيون سابقون كثيرون، ومنهم وزير الخارجية السابق ورئيس بعثة الأمم المتحدة لإحلال السلام في مالي سابقاً، المنجي الحامدي، الذي أكد عند لقائه السبسي، أخيراً، أن “أي تدخل عسكري في ليبيا ستكون له عواقب وخيمة على تونس، خصوصاً في ظل الوضع الاقتصادي والاجتماعي الراهن في البلاد”.
إقرأ أيضا: تونس تعلن الانتهاء من بناء الجدار الرملي مع ليبيا
هناك إجماع بين الأطراف الليبية والحكومات العربية المجاورة لليبيا، وكذلك القوى الغربية، على ضرورة اقتلاع “داعش”، وعدم السماح لها بمواصلة التوسع والسيطرة على آبار النفط، لكن المشكلة لا تكمن في ذلك، وإنما تتعلق بالحسابات والمصالح والرؤى المتضاربة بين كل هذه الأطراف، فحسابات المصريين، مثلاً، ليست متطابقة مع حسابات التونسيين أو الجزائريين. كما أن عقارب ساعة الأحزاب والمجموعات المسلحة داخل ليبيا لا تزال غير معدلة بشكل مشترك وتام، إذ تستمر قوى أساسية في طرابلس في رفضها جوانب من الحل السياسي الذي دخل حيز التنفيذ، بإشراف الأمم المتحدة، خصوصاً وأن حكومة الوحدة الوطنية، بقيادة فايز السراج، تواجه تحديات كبرى، بسبب هيمنة منطق المحاصصة على حساب الجدوى والمصلحة الوطنية.
لهذا السبب، اعتبر السبسي أن “حلحلة الأزمة الليبية تمر عبر الاتفاق السياسي، والإسراع بالمصادقة على حكومة الوفاق الوطني، واستخدام إمكانيات المجموعة الدولية، وأهمها دول الجوار”.
ما يجب عدم إسقاطه من الحساب أن المجموعات المسلحة التونسية، وغيرها، تنتظر منذ أكثر من سنتين توفر المناخ المناسب في ليبيا، لتشن هجوماً كاسحاً على الجنوب التونسي، اعتقاداً منها أن الجيش والأجهزة الأمنية في تونس لا يملكان القدرة على المقاومة والصمود. ولأن هذا ليس سراً، فإن التخطيط العسكري التونسي اتجه، منذ فترة طويلة، نحو وضع كل الإمكانات للتصدّي لمثل هذا الاحتمال. وقد طمأنت المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، الرئيس التونسي على تأمين حدود بلاده مع ليبيا. لكن، هل يعتبر ذلك كافياً إذا لم تكن الترتيبات العسكرية مصحوبة بخطة جدية لتوفير قدر من الأمن الاقتصادي والاجتماعي، في هذه المنطقة الحيوية من البلاد التونسية؟
كاتب من تونس/”العربي الجديد”