من لا يذُكر قصة طريفة قرأناها في طفولتنا.. عن امرأة معدمة.. لا تملك طعاما لأبنائها المتضورين جوعا.. فوضعت حجارة في القدر.. لتوهمهم أن طعاما ينضج.. وأن عليهم أن يصبروا قليلا ولا يستعجلوا.. وغايتها أن يكفوا عن البكاء.. ويناموا فلا يستيقظوا.
هذه القصة تنطبق في مغزاها العميق.. على جانب كبير من سياسة الحكومة.. وهي توهم الناس أنها تعد إصلاحات.. وتتخذ إجراءات.. وتصدر قرارات.. لتعالج نكسة النفط.. وما أفضت إليه من اضطرابات في ميزانية الدولة.. قد تبلغ حد الإطاحة بكل مشاريعها وسياساتها.. وطريقة إدارتها للشأن العام.
ماذا في قدر الحكومة يا ترى؟ لا شيء تقريبا.. وماذا بإمكانها أن تعطي وهي تستنزف جيوب الناس.. بحثا عن آخر مليم شارد فيها.. آملة أن ترقع الخرق الذي اتسع عليها في هذا الظرف القاسي.. وهي التي كانت وإلى وقت قريب.. تعدنا وتمنينا بالرخاء الذي لا ينضب.. وبقدرتها على التماس الحلول لمشكلات مجتمع ما انفك يسقط في بالوعة اليأس.. ويكتشف ألا شيء في القدر.. سوى وعود فارغة تنفخ فيها أبواق السلطة.
******
”جذب أموال“ السوق الموازية.. أي مئات المليارات التي يحتفظ بها أصحابها.. من أغنياء الريع والحاويات والقروض البنكية الميسرة.. تحت الدليل على أن ما يغلي في القدر ماء وحجارة.. وليس طعاما ”تشتهيه الأنفس وتلذ به الأعين“.. أن وزير المالية يشكو من فشل البنوك في وسائدهم.. ويصرح أيضا بأن المتهربين من أداء الضرائب.. لا يتجاوبون مع قانون ”الامتثال الجبائي الإرادي“.. ويعني بهم من لا يصرحون بثرواتهم.. ويفضلون تكديسها في شكل أصول غير معلومة القيمة.
إقرأ أيضا: هل تشهد الجزائر انتفاضة الأغلبية المسحوقة
لا أدري لَم تصر الحكومة على اتهام نفسها.. بإعلان فشل إجراءاتها .. وهي التي زرعت بيدها هذا الصبار الشوكي.. وحرضت المحظوظين على الكسب السهل.. ورعتهم وقدمت لهم كل الخدمات.. حتى إذا ”ضاقت عليها الأرض بما رحبت“.. والتمست منهم مكافأتها على ما أسدت لهم من خير.. أعرضوا عنها.. وتركوها حائرة.. لا تدري ما تفعل!
«الشارع“.. مفردة تخيف الحكومة.. وتسلبها القدرة على النوم.. وعندما يستيقظ هذا الشارع ذات صباح.. جائعا مضطربا.. ماذا ستقدم له؟ أم إنها سترجوه أن ينام.. حتى ينضج ما في القدر؟!
*صحفي جزائري/ “البلاد”